ستوكهولم: محمد فتحي
والعام الماضي يلملم أطرافه مغادراً، كان القدر يسطر ملامح مسيرة علمية مغايرة للطالبة السودانية سارة أبو سقرة، فالشابة التي شقت طريقها نحو ريادة الأعمال مبكراً منذ دراستها الثانوية، لم تنسها دراستها الجامعية حلمها، لكن هذه المرة أرادت أن تتخذ الاقتصاد المعرفي كمنصة انطلاق مختلفة، فالنابغة التي تربعت على عرش التنافس المحموم بجامعة الأحفاد، ونالت جائزة أميز خريجة بالجامعة ، سرعان ما يممت شطر أوربا، لدراسة الماجستير، لتجد هنالك بيئة محفزة للإبداع والابتكار في انتظارها.
سارة وإن بدأت تتلمس خطاها منذ المرحلة الثانوية في سوق العمل، بمشروع صغير عن تصميم أكسسوارات و أزياء نسائية بدعم من أسرتها ، إلا أن قصتها الحقيقية مع ريادة الأعمال بدأت بعد أن أودعت مكتبة جامعة الأحفاد، مشروعاً بحثياً عن “التمويل الأصغر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة” لمشاريع الشباب، وتنال من كلية العلوم الإدارية با لجامعة بكالوريوس درجة الشرف في العام ٢٠٠٩، لتؤسس بعد 3أعوام من تخرجها منظمة تمويل أصغر للأسر المتعففة باسم “تبرعات” ، لتصبح حاضنة تساهم بشكل فعال في انطلاق عدد من المشروعات الصغيرة في وقت وجيز، بعد أن نجحت صاحبة “تبرعات” في توفير الدعم اللوجستي بجمع التبرعات من زملائها في العمل، وخلق توأمة مع منظمات أخرى.
بعد انقطاع دام 10 سنوات، عاود الحنين سارة لمقاعد الدراسة، لتعود مرة أخرى لتواصل شغفها في خلق قصص النجاح في سوح الجامعات، وتتحصل على ماجستير إدارة الأعمال تخصص إدارة مشاريع من جامعة العلوم الطبية (مأمون حميدة) في أبريل من العام ٢٠١٩.
في أغسطس من العام المنصرم ٢٠١٩ ، رسمت سارة عباس أبو سقرة، مساراً آخر لمسيرتها التعليمية، ليتحول اهتمامها من ريادة الأعمال إلى الاقتصاد المعرفي. تقول أبو سقرة إن دخولها لعالم الابتكار كان خطوة حتمية بعد انضمامها لصفوف طلبة الماجستير في جامعة أوميو بدولة السويد، وذلك لطبيعة دراستها لعلم الإستراتيجيات والتخطيط و تطوير الأعمال، فكان ميلاد مشروعها الأول هي و مجموعة من طلبة الماجستير من مختلف الجامعات العالمية، وهو عبارة عن ابتكار و تصنيع ساتلايت لدراسة مؤشرات الحرائق البرية وقد حاز مشروعها على المركز الثاني. وتوضح سارة أن المشروع كان استناداً على مؤشرات الـ SDGs التي تعتبر حالياً أساساً لكل الأعمال على الصعيد البيئي و تقوم بربطها مباشرة بكل نواحي الحياة بما تحويه من تنوع في المؤشرات نفسها ابتداءً من تطوير حياة الإنسان مروراً بالمياه و الغابات وصولاً إلى المناخ في صورة متكاملة .
لم تتوقف أبو سقرة عند هذا الحد، فجموح الابتكار لديها لا يتوقف عند نجاح واحد، فحلمها ممتد على أفق دنيا الابتكار. كانت تواقة لحصد العديد منها، لذا شرعت في مشروع آخر، وهو المشروع الثاني لها هي ومجموعة من زملائها و الذي نال جائزة الابتكار في جامعة أوميو، تقول عنه أبو سقرة أنه أيضاً يخدم قضية “الاستدامة البيئية SDGs “، إذ كان التركيز علي تطوير وسيلة تصنيع تستهلك طاقة أقل و مخلفات إنتاج تؤول إلى الصفر zero waste و قد تناول المشروع استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد 3D Printing في تصنيع كرين الشحن البحري بدعم من شركة Macgregor السويدية التي تعمل في المجال. وتشير إلى أن للمشروعين فوائد اقتصادية ملموسة اذ يسهم كلا المشروعين في الحد من استهلاك الموارد و زيادة الربحية مما يسهم بدوره في رفع مستويات الإنتاج و الدخل الفردي و المؤسسي.
ويبدو أن بيئة الإبداع والابتكار هناك أتاحت لسارة آفاقاً أرحب نحو التنافسية العالمية في الاقتصاد المعرفي، فتشارك أيضًا في مشروع جديد تم طرحة بواسطة الحكومة السويدية بالشراكة مع كل من DIGG, Hack for Sweden , Open Hack، عبارة عن منافسة مطروحة للخروج بابتكارات و حلول تساعد العالم ككل و دولة السويد تحديداً لتخطي أزمة الكورونا COVID 19 و وضع إستراتيجيات لإدارة أوضاع ما بعد الازمة.
وتشير إلى أن للمشروعين فوائد اقتصادية ملموسة اذ يسهم كلا المشروعين في الحد من استهلاك الموارد و زيادة الربحية مما يسهم بدوره في رفع مستويات الإنتاج و الدخل الفردي و المؤسسي. وتوضح سارة أن أكبر المعوقات التي تواجه المبتكر هي عدم وجود جهات تتولى توفير الإرشاد الإداري أولاً و الدعم المادي ثانياً، مشيرة إلى أن واقع تجربتها في السودان شكلت لها مصدر إلهام، إذ كان معدل الحاجة لمشاريع شابة عالياً جداً وذلك حسب مراقبتها لوتيرة الحياة اليومية للمواطن السوداني و حجم المعاناة في الحصول على أبسط الخدمات و بدائية بعض المنتجات و حجم الاستهلاك الكبير للموارد الناتج عن تدني درجة الوعي من قبل أصحاب الأعمال، لكن لم تكن تتعدى كونها أفكاراً متواضعة لتسخير القليلٔ المتوفر للخروج بابتكارات تساعد على إدارة الحياة بصورة أكثر فعالية. وتقول: “كانت دائماً ما تواجهني الكثير من المعوقات ابتداءً من توفر رأس المال و الإجراءات التعسفية للحصول علي تمويل بنكي وأصطدم بعدها بكمية الإجراءات الحكومية المكلفة و التي كانت ولازالت تستغرق فترة زمنية تتراوح ما بين شهور لتصل إلى سنين في بعض الأحيان” .
الدور الذي تلعبه هذه الجهات يعد جوهرياً لما تقوم به من توجيه أو كما نسميها incubating تكون بمثابة حاضنة تقوم بدور التوجيه و الدعم و الرعاية حتي يصل الابتكار او الاختراع أو المشروع لمرحلة تمكن القائمين عليه من إدارته ذاتياً.” أعلم تماماً أن نهضة الدول أصبحت مستندة علي مثل هذه المشاريع المبتدئة startups لما تحملة من تجديد و تطوير لطبيعة الأعمال و صناعة نقلة نوعية في اقتصاد الدول التي تتبنى هذا النوع من الأعمال”.
وعن سؤلنا عن مميزات المشاريع المنتجة لسلع حاصلة على براءات اختراع على غيرها من السلع، تقول أبو سقرة “الـ copyrights و الـ patenting تعتبر وسائل لحماية الابتكارات من التقليد و السرقة، المشاريع الحاصلة علي هذه المميزات تكون ذات سمة تنافسية عالية مما يسهم في تجويد المنتج و عملية التطوير المستمر”. بيد أنها تستدرك قائلة “ولكن الجدير بالذكر أيضاً أن هذه المميزات أو الشهادات لها دور سلبي في بعض الأحيان إذ تحد من تطوير الفكرة من قبل جهات أخرى قادرة على الإضافة و التطوير وذلك لعدم قدرة هذه الجهات على اختراق هذه التراخيص بموجب القانون. كما بينت الإحصائيات أن الشركات تقوم بدفع مبالغ طائلة لتجديد هذه التراخيص بصورة دورية كما تتمتع هذه التراخيص بمدىً زمني يصل إلى عشرين عاماً ولكم أن تتخيلوا تأثير هذه المدة الطويلة علي عملية التطوير مقارنة بالتسارع الرهيب في سوق الاختراع العالمي”. وعن واقع بيئة الإبداع والابتكار عالمياً و ومحلياً، ترى أبو سقرة أنه في هذه الأيام اتجه العالم ككل نحو تشجيع و تمويل المشاريع المبتدئة startups و التعامل معها كأساس للتطور الاقتصادي مستقبلاً، إلا أن الوضع في السودان مختلف جداً على حد قولها، فليس هنالك توجه للدولة نحو هذا النوع من الاقتصاد، لأنها مازالت تصر على الاعتماد على الاقتصاد الريعي، وترى سارة أن الجهات المختصة في السودان إذا أرادت النهوض الحقيقي بالوطن عليها أن تتخذ من الاقتصاد المعرفي طوق نجاة من مزيد من التدهور الاقتصادي، وأن توجه دعماً سخياً للبحوث العلمية، مع ضرورة إنشاء حاضنات تقنية، تحتضن المشاريع المبتكرة والاختراعات، مع حسن الإدارة والحوكمة الرشيدة لتخترق بها أعتى الأسواق العالمية بكل رسوخ ، وتلعب فيها دوراً محورياً.
وتستدرك أبو سقرة قائلة: “ظهرت عدد من الحاضنات في السودان، لكنها محاولات خجولة، إذ لم يتوجه اليها الدعم المباشر من المؤسسات العلمية و الحكومة و المؤسسات الخاصة”، وتضيف “السودان بلد زاخر بالطاقات الشبابية ينقصهم فقط التوجيه المباشر و الدعم الكافي و إدراك الجهات المؤثرة لدورهم في عجلة التطور الاقتصادي للسودان”.
وفي ختام حديثها لـ”afroshongir” تقدم أبو سقرة روشتة نجاح للمبتكرين والمخترعين في السودان، وتوصي بالتزود بكمية وافرة من التفاؤل و السعي دوماً لخوض التحديات، والايمان القاطع بأنفسهم، كما ترى أن أي مشكلة هي فرصة لابتكار حلول خلاقة، ببذل الجهد و السعي وراء المعرفة.
وتضيف “كلي ثقة بأننا في السودان كشباب نتمتع بالكثير من المميزات و بإمكاننا تغيير مجريات الأمور و نقل الدولة لتكون في مصاف الدول المتقدمة، الانتظار هو أكبر مشكلة و ما أقصده هنا لا تنتظروا الفرص لتأتي، بل يجب علينا اصطياد الفرص و تسخير كل الظروف لخدمة اهدافنا، ولتكن معاناتنا في ظل الثلاثين عاماً العجاف، زاداً لنا وما أنجزناه من ثورة منهلاً معطاءً للقوة والثقة بالنفس”.
التميز والابتكار.. والإدارة الاستراتيجية في تحقيق أهداف المنشأة في ظل إلادارة الاستراتيجية.. تطورات أساليب المحاسبة الإدارية الاستراتيجية.. كل هذا لابد من تطبيقها في السودان في عهد ما بعد الثورة السودانية المجيدة..
شكرا سارة أبوسقرة..