القاهرة: محمد فتحي
رغم الخسائر الفادحة لاقتصادات العالم جراء جائحة كورونا، إلا أن خبراء يرون أن كيفية تعامل أي دولة وطبيعة اقتصادها يمكن أن يخفف من وطأة انتكاسة اقتصادية، ووفقا للخبراء فإن مصر تأتي ضمن الدول التي عجزت عن إدارة الأزمة، بطبيعة اقتصادها “الهش”، فكان لاصابة الجائحة ثلاثي الايرادات “السياحة، قناة السويس، ايرادات المغتربين” في مقتل، القصة التي قصمت ظهر البعير، مما دفعت الدولة لطرق أبواب الصناديق الدولية.
وقال الخبير الاقتصادي المصري هاني توفيق تأكيدا لحديث وزير المالية المصري عن انخفاض في الايرادات بحوالي 100مليار جنيه في الشهر الفائت لوحده، بأن الاقتصاد المصري يصنف من الاقتصادات الهشة الى حد كبير، “مايستحملش الدين العام”، لانه يعتمد على التمويل الخارجي وموارد يتوقف على ايرادات السياحة و دخل قناة السويس وتحويل المغتربين المصريين، وبعضا من تصدير البترول والغاز الطبيعي حسب “رصد”، وبينن توفيق أن بسبب كساد الاقتصاد العالمي ومواجهة فايروس كورونا، تأخرت هذه الموارد بشل كبير، مشيرا الى أن السياحة تعاني خسائر قدرها مليار دولار شهريا، وطبعا لتقديرات وزارة السياحة المصرية، فإن الخسائر ستصل مع نهاية الأزمة الى 12 مليار دولار، كما يعاني أيضا قطاع الطيران المرتبط بالسياحة، حيث يعاني بخسائر قدرها مليار جنيه شهريا، مما اضطرت الحكومة لضخ 2مليار جنيه لدفع رواتب العاملين وباقي المصروفات.
اما المورد الثاني وهو قناة السويس، فقد أصابتها لعنة كورونا أيضا، وإنسحبت كبرى شركات الشحن البحري منها في أبريل الماضي، منها خط cmg cgm الفرنسي، ثالث أكبرشركة شحن بحري في العالم، وأعلنت تغيير مسار سفنها من قناة السويس لرأس الرجاء الصالح، لتستفيد من تهاوي أسعار النفط، وقيمت تلك الشركة موقفها بأن رسوم العبور من القناة توصل لـ500ألف دولار للسفينة الواحدة، لكن الدوران حول أفريقيا رغم طول رحلتها التي تبلغ الفرق بين الاثنين 3ألف ميل بحري، يعني بزيادة 3 أسابيع، لكنها ستوفر 250ألف دولار في كل رحلة، لهذه الاجراءات إضطرت هيئة قناة السويس لعمل خصم تصل حوالي 65% من الرسوم لكل الحاويات القادمة من أسيا في اتجاه الساحل الشرقي الأمريكي، خوفا من الخطوط الملاحية الأخرى.
أما” البقرة الحلوبة” كما يسميها المصريون “تحويلات المغتربين”، والذي بلغ 27مليار دولار في العام الماضي، توقعت البنك الدولي أنها ستنخفض بنسبة 5,5مليار دولار بعد أن فقد جزء كبير منهم لوظائفهم منذ بداية هذه الجائحة، كما توقع خبراء ارتفاع سعر الدولار، وأوضحوا أن محاولات البنك المركزي المصري لتثبيته سيفشل، لأنها ستستنزف احتياطي مصر من الدولار الذي وصل في شهر مارس وأبريل الى 8,5 مليار دولار، ليصل الى 37مليار دولار، بعد أن كان 45مليار دولار في فبراير.
ورغم أن الحكومة المصرية لم تقف مكتوفة الايدي في وجه هذه العاصفة، إلا أنها لجأت للحلول السهلة وهي الاقتراص من الخارج، ولتضرر دول الخليج من الأزمة، وهذا غير انخفاض أسعار النفط، لم يكن أمام مصر غير صندوق النقد الدولي، فاقترض مبلغ 2,7دولار، لكن هذا المبلغ غير كافي، فصرح مسؤول مصري لبلومبيرج أن مصر ستحاول الاقتراض مرة أخرى مبلغ وقدرها 9مليار دولار من مؤسسات دولية مختلفة.
في السياق لجأ البنك المركزي لطباعة المزيد من العملات، كما ضخ 20مليار جنيه في البورصة، بينما ضخ بنكي الأهلي وبنك مصر، 10مليار جنيه، للحماية من الانهيار، مما قوبل بانتقادات حادة، فرى بعض المختصين ضرورة دعم الشركات المتعثرة ورؤوس الأموال لكي تقوي هي بدورها البورصة وتحافظ عليها وعلى العمال، وإن كانت لجوئها للاقتراض مرة ثانية من الصندوق بهدف الاستمرار في الحفاظ على استقرار مؤشرات الاقتصاد المصري، وتحوطا من تأثيرات سلبية محتملة قد تعوق قدرته على التعافي وعودة النمو الاقتصادي، كما صرح مسؤولون، فالسؤال الذي يطرح نفسه هذه المرة هو مدى إمكانية القروض في انقاذ الاقتصاد المصري من مقصلة كورونا، و دعم ثقة السوق والحفاظ على المكتسبات والنتائج الإيجابية التي تحققت في السنوات الأخيرة من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي، والتي تستند عليه في طلبها من الصندوق.