ربك: محمد فتحي
ووالده يصارع المرض، كان الابن يغوص في تفكير عميق عن ما يمكنه أن يخفف به أنين ذاك الجسد النحيل، فطالب الطب الذي هرع مغادراً قاعة المحاضرات بجامعة الإمام المهدي بكوستي، وقطع عشرات الكيلو مترات لمدينة ربك، يبدو أنه يسابق الريح ليسافر بعيداً هذه المرة، ليكون ضمن صفوف متراصة أمام مراكز الكلى بالخرطوم.
لم يكن والده هو الأول، فالمدينة تستقبل عشرات المرضى من كل قراها،كغيرها من مدن السودان، كما يقول عثمان ريحان، لكن ما ترك جرحاً غائراً في دواخل الشاب العشريني، هو ما يعانيه مرضى الكلى من إهمال، فرغم وجود مراكز لغسيل الكلى في ولايات محددة، إلا أنها – المراكز- غير مؤهلة لاستقبال المرضى، مما يضطر المريض للسفر إلى عاصمة البلاد.
أمام المستشفي يقف ريحان، وهو يتفحص واقع الحال بعيني طبيب؛ مرضى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يتقاسمون صباحاً كل أضرب المعاناة؛ أجساد أرهقها المرض و(هد حيلها) طول الانتظار، فالداخل للمكان مفقود، والخارج مولود.
وهو يرابط بالمكان طوال اليوم، كان الشاب المفتون بالاختراع والابتكار، يحلق بعيدًا عن ركامات المعاناة تلك، بروح نبيل، ليبحث عن شيء يمكن أن يخفف وطأة ذلك الرهق اليومي لـ 15ألف مصاب بهذا المرض، وطوال رحلة العودة الشاقة بين المكان ومدينته، كان تلك القضية تثقل كاهله، على حد قوله.
ويقول المخترع عثمان ريحان، الطاب بالمستوى الخامس بكلية الطب بجامعة الإمام المهدي، إنه بعد مرور فترة من الزمن، قام بإختراع جهاز منزلي سهل الاستعمال يقوم بعمل الفحوصات لمرضى الفشل الكلوي وفحوصات أخرى في زمن وجيز ، ويمتاز الجهاز بسهولة استخدامه بواسطة الجميع.
ويؤكد ريحان أن ما جعله يعكف فترة طويلة لإنجاز هذا المنتج، هو تخفيف عناء السفر والانتظار وكثير من الصعوبات التي يواجهها المرضى، لمتابعة حالتهم الصحية، متمنياً أن يجد منتجه الإشادة والاحتفاء والاهتمام الكافي لتطويره، حتى يجد طريقه للمرضى في كل المرافق الصحية في المدن والأرياف البعيدة وفي المنازل.
لم يكن هذا الاختراع هو الأول في اهتمام عثمان ريحان، بقضية مرضى الكلى، بل قام من قبل بكتابة مرجع طبي عن أمراض الكلى بعنوان:
(Rihan’s Lecture Notes in Nephrology)
يقول ريحان إن الابتكار يعني “التفكير خارج الصندوق”، فطبيعي جدًا أن ينتقدك من حولك، لأن فكرتك مختلفة تمامًا وغير مسبوقة، ونادرًا ما تجد من يؤيدها، فالشخص يؤمن بالفكرة ويسعى لتحويلها من فكرة يعارضها الجميع، إلى فكرة يقرّ بها الجميع، وذلك بالعزيمة على تحويلها إلى واقع ملموس يلبي احتياجات فئة معينة من المجتمع، وبذلك يتحول الناس من معارضين للفكرة إلى مؤيدين لها، وهو ما يتطلب وقتًا طويلًا وصبرًا.
وردا عن سؤالنا عما إن كان هناك من ساعده في تصنيع النموذج الأولي، وهل وجد دعمًا من أحد، أوضح ريحان أنه طرح الفكرة لعدد من الجهات ذات الصلة، لكنه لم يجد الاهتمام اللازم حتى الآن، موضحاً أن ذلك يأتي ضمن ما يواجهه المخترعون والمبتكرون في السودان من صعوبات جمة تعوق إخراج ابتكاراتهم إلى النور، إذ يؤكد عثمان ريحان، أنه لم يتمكن حتى الآن من تسويق مشروعه بعد ثبات نجاحه عمليًا، وذلك بسبب غياب الاهتمام من قبل الجهات ذات الصلة، و رأس المال المخاطر ، علاوة على أن الدولة مازالت بعيدة في طرح رؤية تتضمن الاقتصاد المعرفي.
موضحاً أن دعم الجهات الحكومية لا يتجاوز حالياً مرحلة توثيق الأفكار، أي مرحلة”الملكية الفكرية”؛ أما مرحلة ما قبل ذلك- وهي التدريب على الابتكار- فإلى الآن تعاني من ضعف كبير جدًا، وكذلك تعاني مرحلة احتضان المشاريع من ضعف وهي مرحلة ما بعد الملكية الفكرية، علاوة على تحويل أفكارهم لمشاريع، لضعف الاستثمار الجريء في هذا المجال.
وكشف ريحان أنه يعكف حالياً لإنشاء مؤسسة تهتم بنشر ثقافة الاختراع والابتكار في السودان، وتسويق الاختراعات بشكل عام، داعيا الحكومة السودانية لدعم بيئة الإبداع والابتكار،باحتضان المخترعين والمبتكرين، بتأسيس حاضنات ومسرعات أعمال لهم، والشراكة الحقيقية لترجمة أفكارهم إلى واقع عملي، لأن تشجيع الابتكار هو البداية الحقيقية للتنافسية العالمية، بالانطلاق من منصة الاقتصاد المعرفي على حد قوله.