الخرطوم : آفروشونقر
تشكل الهجرة من الريف إلى المدن والعاصمة الخرطوم هاجساً كبيراً للدولة والمهمومين نظراً لنتائجها الوخيمة على المهاجر والمدن نفسها تتمثل في توقف عجلة الإنتاج في مناطقه التي تكاد تخلو من السكان جراء هجرتهم إلى المدن الكبيرة التي أيضاً باتت تنوء بحمل تعجز عن حمله ، وتسبب إرباكاً كبيراً في تقديم الخدمات كما أفرزت مجتمعات فقيرة تعيش في مستوطنات عشوائية ، تتوالد فيها الجريمة بكل أشكالها. ولمعالجة هذه المعضلة دفعت مجموعة من المهندسين السودانيين بمبادرة تهدف للتنمية المتوازنة والخدمات في الريف والمدن ، بمسمي (مبادرة التنمية العمرانية) التي ولدت من رحم تجمع مهندسي جامعة الخرطوم الذي تكون إبان ثورة ديسمبر 2018م .
وتتكون المبادرة، حسب المهندسة روعة غريب الله عضو المبادرة ، من 150 عضو يتوزعون على كل قارات العالم للاستفادة من خبراتهم ، في انهاء أزمة التنمية العمرانية في الريف والمدن. وتقول روعة لـ “آفروشونقر” أن المبادرة المعنية بإنهاء معضلة ظلت يعاني منها السودان، تتوزع على (9) مجموعات متخصصة على سبيل المثال التخطيط الحضري والبنى التحتية والكود القومي وإجراءات الصحة والسلامة أجرت دراسات ومسحاً في كل السودان ومن ثم خضعت هذه الدراسات للتحليل للخروج بنتائج لوضع حلول إستراتيجية ، وبعده ستعقد ورش عمل لهذه الدراسات بحضور وزراء ومسؤولين بالدولة للوقوف على نتائجها .
وتهدف مجموعة التخطيط الحضري التي تعد من أهم مشاريع المبادرة إنهاء (مركزية المدن) ومن بينها العاصمة الخرطوم بمعالجة الأسباب التي تدفع سكان الريف للهجرة إلى المدن التي لم يعد بوسعها استيعاب جحافل الوافدين إليها وتعجز عن الإيفاء بتوفير أدنى المقومات لمواطنيها الأساسيين والوافدين.
ومن بين الحلول، حسب المهندسة “روعة”، تصميم مشاريع لتوفير الخدمات الأساسية وتيسير الحصول عليها بإنشاء طرق ومدن خدمية وفق دراسات استصحبت رؤية المستهدفين أنفسهم في عدد من مناطق السودان المتأثرة بالحروب والفقر.
وتعتقد روعة أن المبادرة اكتشفت عدداً من المشاكل في طريق مشاريعها من بينها المانحين وبعض القوانين التي تسعي المبادرة لتذليلها عبر مؤسسات الدولة المعنية ، إلا أن شراكة صندوق الأمم المتحدة للإنماء قد تفتح لهم نافذة لهم للوصول إلى الهدف كما قالت روعة.
إلى جانب التخطيط الحضري أجرت المبادرة دراسات كافية حسب روعة في أنظمة الصرف الصحي التي لا تغطي 0.5% في المدن الرئيسية والخرطوم نفسها ، وقالت روعة أنهم قدموا خارطة طريق للجهات الحكومية ، بعد إعداد دراسة وافية وورش عمل لمعالجة مشاكل الصرف الصحي ، مشيرة الى إفرازاتها السالبة في تدني صحة البيئة والمظهر العام ، وفضلاً عن ذلك انتبهت المبادرة الى إشكالية السلامة المهنية لكونها واحدة من الإشكالات الأساسية في المؤسسات الإنتاجية ، وارتباطها بجودة وكمية الإنتاج إذا توفرت للعاملين في هذه المؤسسات السلامة والصحة المهنية. وفي هذا الصدد أجرت المبادرة أيضاً مجموعة من الدراسات بواسطة خبراء من خريجي هندسة جامعة الخرطوم في الداخل والخارج ، لتوفير هذه الميزة للفرد المنتج سواءً أكان صاحب المؤسسة أو العامل .
وقالت روعة ” قدمنا كل الدراسات والمشاريع للحكومة الانتقالية التي أبدت استعدادها للعمل في إنفاذ ما جاء فيها وإعادة النظر في القوانين التي يمكن أن تقيد سيرها” غير أنها ترى أن الدولة وحدها لا تستطيع الإيفاء بالمشاريع الـ “9” ولذا لن يتوقفوا في محطتها .
وطبقاً لآخر إحصائية حسب المبادرة أنه في العام 2018م تستقبل الخرطوم نحو (9) آلاف أسرة من الولايات شهرياً في حدها الأدنى ، كإقامة بشكل دائم ، بالرغم من ارتفاع كلفة المعيشة والخدمات بصورة ضخمة ، وتلجأ أغلب الأسر الوافدة من الولايات الى العاصمة في السكن في المناطق الطرفية في مجمعات عشوائية لارتفاع تكلفة السكن في المناطق الحضرية والمخططة ، حسب تقرير لولاية الخرطوم في العام 2016م .
الهجرة من الريف الى المدن الرئيسية بدأت في منتصف العام 1983 إبان موجة الجفاف والتصحر التي ضربت أجزاءً واسعة من السودان ، لتتصاعد وتيرة الهجرات إلى الخرطوم والمدن الكبيرة بصورة واسعة عقب تجدد الحرب الأهلية في جنوب السودان في ذات العام ، ونشأت إمبراطوريات عشوائية كبيرة في أطراف الخرطوم مثل منطقة ربكونا في غرب مدينة أم درمان ودار السلام في جنوب الخرطوم ، وكرتون كسلا في شرق النيل ، مجمعات لنازحي الجنوب في المدن الرئيسية وتقاسم آلاف النازحين الخدمات مع سكانها ،على قلتها، لتضيف عبئاً جديداً عليها. وفي العام 2004م تدفق مئات الفارين من الحرب الأهلية في أقليم دارفور غربي السودان إلى العاصمة الخرطوم وأيضاً الى المدن الكبيرة ، بيد أن عامل الحرب لم يكن وحده من دفع الأسر من النزوح إلى المدن ، حيث تراجع مستوى الخدمات في الأرياف سواء في التعليم أو الصحة وتمركز التعليم المؤات في المدن الكبيرة والعاصمة الخرطوم. وترجع أغلب الأسر الوافدة أسباب هجرتها الى العاصمة وتخليها عن منزلها وحرفتها ومزرعتها واختيار الخرطوم رغم غلاء المعيشة والخدمات إلى عدم توفر الخدمات في الأرياف والأطراف.