الخرطوم: زينب سر الختم
من شغف القهوة وشرابها وإدمانها، إلى تأسيس مقهىً تجاري ذائع الصيت. دارت حياة الناشطة المجتمعية السودانية، وئام شوقي، صاحبة مشروع “إيزيس”، وقد خرجت عبره عن المألوف المجتمعي وعمل الفتيات في مجال بيع القهوة والشاي للعامة، والعودة في منتصف الليل للمنزل، إلى سيدة أعمال ناجحة قهرت الصعاب لتحقق مشروعاً اجتماعياً يلتقي به الأصدقاء قبل أن يكون مشروعاً تجارياً مدراً للربح.
بدأت وئام مشروعها كمقهىً صغير، برأس مال معقول ساعدته به أسرتها التي عاشت زمانًا في المهجر ليصبح المكان ملتقىً لأصحاب الفكر والمثقفين والكتاب. شكل مساحة لانطلاق المواهب، ففى كل ركن من مقهي إيزيس بالخرطوم كان يولد لحن وليد صدفة أو لوحة أو قصيدة تؤلف.
عند دخولك إلى المكان الواقع بحي الرياض ،أحد أرقى أحياء الخرطوم، يراودك إحساس بالدفء والحيوية، يطرق سمعك لحن أو دندنة لملحن يعمل على تطويع لكلمات جديدة، أو لموسيقار أو هاوٍ يعزف على آلة العود. وفى ركن قصي آخر يرسم فنان لوحة يدس فيها أحاسيسه وانفعالاته. وهنالك تجلس أسرة تتسامر، وأصدقاء اجتمعوا بعد طول غياب، فرقتهم سبل الحياة للبحث عن لقمة العيش. تنساب فى المكان رائحة البن. هنالك يمكنك الجلوس على طاولة وضعت عليها مجموعة من الكتب وأنت فى انتظار فنجان القهوة سيدفعك الفضول لقراءتها أو تصفحها ومهما نظرت من حولك تجد الفلكلور السوداني منتشراً.
تخرجت وئام شوقي، صاحبة مشروع مقهى إيزيس ، من جامعة السودان؛ من كلية علوم الاتصال في العام 2014م، وعملت صحفية، تلبية لرغبتها فى تنمية ملكة الكتابة التى اكتسبتها في سن مبكرة من عمرها. و انتقلت بعدها للعمل بالإذاعة السودانية لتغادرها بعد حين للعمل بمجلة إلكترونية لها علاقة بقضايا المرأة، وبعدها انتقلت للعمل بالتلفزيون.
ورغم هذه المسيرة العملية الطويلة، لم تفارق وئام حلمها الذي ظلت تحمله منذ تخرجها، وهو خوض غمار ريادة الأعمال. كان لديها إحساس بأنها لا ترغب فى العمل كموظفة ولابد من ملكيتها لعمل خاص لإيمانها بمقولة إن الوظيفة هى رق القرن العشرين .
تقول وئام” نمت عندي الرغبة فى التحرر من قيود الوظيفة وما شجعني أكثر امتلاك أمي لعملها الخاص فى أعمال التطريز والحياكة، وكان لديها صالون تجميل بجانب متجر لبيع الملابس ومستحضرات التجميل فى منطقة(أبوآدم) جنوبي العاصمة الخرطوم”. وتواصل حديثها” أعطتني أمي مساحة صغيرة من المكان لإقامة المقهى وهو تجربة أن يأتي الناس لشرب القهوة مع (الكب كيك) بجانب قراءة الكتب، ولكن أتت الرياح بما لا يشتهى السفن، حيث حاصرتني مشاكل كثيرة لسوء فهم الفكرة مجتمعياً، غادرت بسببها المنطقة إلى أخرى وهنا أحسست بصعوبة تقبل الناس للفكرة. وبتشجيع من أمي عاودت فتح مقهى إيزيس بمنطقة الصحافة وسط الخرطوم بمشاركتها لى ونجحت وكثر روادها فأعطتني الجزء الخاص بها لتوسعة المقهى ولكن لم يعجب ذلك أصحاب المبنى والذين رفعوا ضدي قضية إخلاء للمقهى وكسبوا القضية رغم إيماني بأن إثباتاتي وشهودي كانوا أكفياءً لكسب القضية لكن الملاك استطاعوا كسب القضية ليس لأنهم على حق، بل لجهلي بالقوانين العرفية وثقتي بالقضاء والتي كانت في غير محلها في النظام السابق (نظام البشير).
قالت وئام” تركت المكان ولدى الإحساس باستحالة العودة وفى قمة الإحساس والأفكار المتضاربة وجدت فى الطريق أحد الأصدقاء ورويت له ما حدث معي وعدم قدرتي على المواصلة فطلب مني أن أصطحبه لمقابلة أناس يمكنهم مشاركتي المقهى وكانت هذه بارقة أمل وسط إحساس الانهزام. ومن هناك اتجهنا لشارع أوماك بحي الرياض بالخرطوم وفى الطريق لمحت هيكلاً لمبنىً عبارة عن أعمدة خرسانية وفكرت فيه كمكان مناسب للمقهى وطرحت المقترح على رفيقي وعندما وصلنا لوجهتنا بحثاً عن شريك تعرفت عليه وطرحت الفكرة التي لاقت قبولاً لمقترح المكان وصدف ذلك وجود صاحب هيكل المبني الذى لمحته. لم أكن أتوقع أن يحالفنى الحظ ولكن اتفقنا على استئجار المكان وتهيئته وبدأت رحلة جمع رأس مال.
لم تكن لدي خطة عملية لتجاوز التحديات فى بلد يصطنع مسؤولوه الصعاب لتجدها ماثلة منذ الخطوة الأولى؛ لأي عمل تجد متاريس منذ بدء تسجيل اسم العمل بالمحلية واستخراج كرت الصحة كلها تحتاج لرشاوى ونسبة لآرائي السياسية والاجتماعية كنت أتعرض للتهديد والتحذيرات من منسوبي النظام السابق ومن هنا وعيت الدرس؛ لتكون تاجراً ناجحاً لا بد أن تكون مواطناً صامتاً”.
تقول وئام “في بداية المشروع كان عائلياً لا توجد به رواتب وحسابات ، ولكن اختلف الأمر عندما أصبح معي شريكان وكان التحدي يتمثل في أن أتخطى كوني صاحبة الفكرة ولدي طموح فى تطويرها ولم أك أنظر له من منظور سيدات الأعمال أي من جانب الربح والخسارة ولكن كمشروع ثقافي لرفع الوعى المجتمعي وتوفير مكان آمن لكل الناس بمختلف ثقافاتهم ولكن كان التحدي في حسم الخلاف حول ملكيتي وتوزيع الأدوار بيني والشركاء فى إدارة المقهى فأخذت الجانب الثقافي ومناشط المقهى بجانب الإشراف على المطبخ والديكورات وتركت لهما الجانب المالي والإداري في مخاطبة الجوانب الرسمية وتعلمت أن العمل الناجح لا يقوم على العواطف.
ومرة أخرى، وفى ظل الضائقة الاقتصادية، طلب مني صاحب العقار إخلاء المحل للحاجة الماسة ووافق شريكي على الإخلاء واكتشفت أن المستأجر فى الطابق الأعلى يريد ضم المقهى والتوسعة فيه .
تختتم وئام حديثها بعد توقف مشروعها بالقول: أحاول النهوض من جديد واستعيد قدرتي على المواصلة ويبقى السؤال متى تلبي الدولة طموحات رواد الأعمال في حمايتها لمشروعاتهم، بسن قوانين ملزمة حتى لا يحارب الإنسان في لقمة عيشه بسبب رأيه السياسي أو الاجتماعي.