إعداد: التجاني حسين
فجرت ثورة ديسمبر المجيدة في السودان مناقشات ثرة حول كيفية إعادة بناء الاقتصاد الوطني بعد تدميره، فكان الانتباه إلى فكر اقتصادي جديد، هو في حقيقته ليس جديداً على العالم لأن الصين واليابان والهند وغيرها من الدول قد طبقته، ولكنه جديد علينا نحن في السودان، وهو يقوم على أن الدول التي تستهدف تنمية شاملة بأفق اجتماعي يستصحب محاربة الفقر والتخفيف من حدته وزيادة الناتج القومي الإجمالي، عليها أن تأخذ باقتصاد المشروعات الصغيرة small scale production وليس بفكرة مشروعات الأبعاد الكبيرة Large scale production. فالأخيرة تناسب دولا مثل الولايات المتحدة الأمريكية بالميزات المعروفة لاقتصاد الأبعاد الكبيرة الذي يقلل التكاليف ويحافظ على المواد الخام من الإهدار..إلخ أما البلدان النامية، إذا أرادت تحقيق التنمية الانفجارية وتحقيق النهضة الاقتصادية فيها فعليها أن تأخذ بالمشروعات الصغيرة التي تلعب دوراً مهما في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتخفف من حدة الفقر والبطالة..
والمشروعات الصغيرة في البلدان النامية لها رافعة مهمة، تتمثل في ريادة الأعمال وفي الاختراعات التي يقدمها أصحاب المواهب.. وبالاختراعات تم بناء الثورة الصناعية في أوربا من الصفر.. وتأتي أهمية ريادة الأعمال والاختراعات في البلدان النامية وغيرها من أن هنالك ميزات تفضيلية في الإنتاج في كل بلد، ولكل بلد بيئتها الإنتاجية التي تختلف عن الأخرى، والبيئة الإنتاجية في السودان تقوم على الزراعة والرعي والتصنيع الزراعي والتعدين. وهذه البيئة إذا أردنا أن نعتمد فيها اقتصاد المشروعات الصغيرة فلا بد من وجود أدوات انتاجية مناسبة للبيئة. فالزراعة في السودان تحتاج إلى أدوات إنتاج يمكن أن يستخدمها الفرد في مزرعته، وتكون سريعة الأداء ولها كفاءة عالية في أداء المهمة، وهذه الأدوات يخترعها المبدعون بدراستهم للبيئة، ومعرفة المشكلة، ثم وضع التصميم المناسب لآلة تتعامل مع تلك المشكلة بكفاءة واقتدار، وتحافظ على الوقت، وتقلل التكاليف والجهد، وبالتالي تقلل من تكلفة الإنتاج.
في البلدان الأوربية كانوا في الماضي يعتمدون ريادة الأعمال والاختراعات لبناء الثورة الصناعية الأولى ثم الثانية، ولكنهم يتحدثون في الوقت الراهن على أن ريادة الأعمال لها دور مهم في (زيادة الأرباح) وذلك لأنهم حققوا قاعدة إنتاجية قوية تستند على التكنولوجيا، ونجحوا في امتصاص المشكلات الاجتماعية الناتجة عن قلة الدخل والبطالة عن طريق الدور الاجتماعي للدولة والذي يتمثل في مخصصات من الدولة لغير العاملين، وللأطفال، وللعجزة..إلخ غير أننا في البلدان النامية برغم أن الربح هو من أهداف الأعمال عموماً ولكن ليس بالمفهوم المجرد الذي تتعامل به أوربا.. فنحن هنا نستهدف الخروج من دائرة الفقر والتخلف لتحقيق تنمية انفجارية، وهذه التنمية لا تتحقق بالطرق التقليدية في الإنتاج، وليس يكفي أن نستورد أدوات وآلات الإنتاج الجاهزة من أوربا والتي قد لا تتناسب مع بيئتنا الإنتاجية، ومن هنا فإن ريادة الأعمال لها دور أشمل حيث أنها تلعب نفس الدور الذي لعبته الاختراعات في أوربا في بداية الثورة الصناعية.
إن الفكر الاقتصادي الجديد في السودان قد أصبح يركز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة بل و(المتناهية الصغر)، لتكون أداة لتحريك الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية ومعالجة مشكلة البطالة والفقر، خاصة وأن السودان يعاني من نسبة كبيرة من البطالة ومعدلات عالية من الفقر.. وهذا الفكر الاقتصادي الجديد الذي أفرزته ثورة ديسمبر المجيدة يربط بين المشرعات الصغيرة وبين ريادة الأعمال التي بدأ مفهومها ينداح في السودان في السنوات الأخيرة ربطاً محكماً لأنهما يكملان بعضهما البعض، بل أن الصناعات الحرفية التقليدية والإنتاج الزراعي والرعوي الراهن بحاجة إلى ريادة الأعمال لابتكار أدوات إنتاج تتناسب مع البيئات المحلية. وهذه الأدوات تحقق الجودة وتنقذ الإنتاج من الإهدار والانفلات الزمني.. والجودة الشاملة في بلد مثل اليابان يعبرون عنها بالقول: (صفر مخزون، صفر أخطاء، صفر أوراق، صفر أعطاب، صفر تأجيل).. ونواصل..