الخرطوم: عبدالوهاب جمعة
في بضع سنوات امتلك مازن محمد عبدالرحمن رؤية مدعومة بأفكار خلاقة، جعلت منه رائد أعمال في السياحة المستدامة والتي تدمج العمليات السياحية لصالح المجتمعات المحلية القريبة من مواقع السياحة.
أكبر مبادرة بالسودان
يقول مازن مؤسس ومبتكر لـ (Visit Sudan)، أن مشروعه اكبر مبادرة لتشجيع السياحة بالسودان وتتميز بكونها تعلي من شأن السياحة المستدامة، مبيا إن المبادرة تحمي وتصون التراث العالمي السياحي بالسودان عن طريق جعل السياحة مستدامة ، ويشير إلى أن السياحة المستدامة تعني إشراك المجتمعات المحلية في صناعة السياحة، لافتاً الى أهمية نيل القرى المجاورة للمواقع السياحية عائداً من دخل السياحة.
ويرى ناشر ثقافة ريادة الاعمال في السياحة ان مشكلة السياحة في السودان تتعلق بالاحتكار من قبل شركات أجنبية وليست وطنية ويشير إلى أن تلك الشركات تستحوذ على كل ما يدفعه السائح وتحول العائدات للخارج ويضيف : ” إنها لاتترك شيئاً للمجتمعات المحلية”.
أعمال مازن في السياحة المستدامة تأتي في وقت يتطلع فيه السودان للاستقرار السياسي والاقتصادي، وجهود مازن تعزز من مكانة البلد صاحب إرث حضاري وتاريخي عتيق يعود الى آلاف الأعوام.
صنع ماركة لشباب المجتمع
ويقدم الشاب العشريني المختص بتنمية المجتمعات المحلية عبر السياحة المستدامة حلا لتلك المعضلة عبر ( الإسكان المحلي ) وهو إسكان واستضافة السياح في منازل المجتمعات المحلية.
وبدلا من أن تذهب قيمة استضافة السائح إلى جهة واحدة فإن السائح يدفع قيمة الاستضافة لسكان المنطقة، وتعمل مبادرة مازن على مساعدة السكان المحليين على تهيئة تلك المنازل لاستقبال السياح.
يقول مازن : ” بدأنا نساعد رواد الاعمال والناشطين في المجتمعات المحلية لتكون لهم مكانة في السياحة المستدامة”، ويشير الى انهم يساعدون الشباب على خلق ” ماركة ” لاعمالهم لتكون اكبر عامل جذب للسياح.
تشييد جسور .. بين عالمين
تدريجيا تحولت “Visit Sudan ” الى ” جسر ” بين السياح والشركات السياحية المحلية ، يقول مازن : ” ان سودان فيزت تحولت الى منصة للشركات السياحية والمجتمعات المحلية العاملة في السياحة”.
وقال مازن الذي اعتمد على ذاته في تطوير اعماله ان ادماج السياحة والمجتمعات المحلية احدثت تغيير كبير في رؤية السياح الى انفسهم ونقلة نوعية في مسالة السياحة المستدامة ، ويضيف : ” يمكن للسائح ان يعيش الحياة السودانية بكل تنوعها .. من الاطعمة الى امتطاء الابل “، ويشير الى تجربة امراة سودانية من احدى المجتمعات المحلية والتي استثمرت في وضع ” الحناء” على ايدي السائحات، لافتا الى ان المرأة اصبحت تحقق عائد بالنقد الاجنبي ورفعت مستوى عائلتها.
عدة صناعات يدوية تنتجها المجتمعات المحلية المشتركة في السياحة المستدامة، من الاساور والانسجة الى منتجات الخرز ، اصبحت ذات طلب كبير من السياح، اسهمت في زيادة الدخل لتلك المجتمعات.
اكبر منصة سياحة بالسودان
عمل مازن باجتهاد على تطوير فكرته ، وسريعا ما اصبحت صفحة المبادرة على منصات التواصل ذات اقبال كبير، ففي منصة الفيسبوك اصبحت صفحة “Visit Sudan ” أكبر صفحة سياحة بالسودان ، ووصل عدد متابعيها اكثر من (230) الف متابع، بينما المشاهدة بلغت أكثر من مليون مشاهدة.
شارك مازن قبل فترة في ” مبادرة القادة الشباب الأفارقة” في برنامج ” زمالة مانديلا – واشنطون” ، والتي تشمل كورسات لمدة 6 أسابيع ، يقول مازن : ” شاركت هناك في ريادة الأعمال والبزنس في كلية دارموث بنيو هامشير”.
ويشير مازن إلى أنه اختير لاحقاً في برنامج ” معامل الابتكار لإطلاق العنان “، وهي مبادرة لاختيار (1000) موهبة من الشباب، وعمل على مجال ” السياحة المستدامة” وهي أحد محاور الهدف الـ (12) من أهداف التنمية المستدامة والمتعلقة بـ ” الإنتاج والاستهلاك المسؤول والراشد ”
يقول مازن إنه قضى 9 أيام ويشير إلى أنها كانت تجربة ناجحة ورائعة من ورش العمل واكتساب الخبرات بالتواصل مع شباب(173) دولة قسموا على عدة موضوعات.
التحليق ببساط ريح التقنية
قوة ارادة مازن وصبره واجتهاده دفعت القائمين على المبادرة لاختياره مع زملاء من اليابان وهونغ كونغ والاكوادور على تصميم مشروع ” تروي ” والذي سينطلق من السودان وهو منصة تشاركية للسياحة المستدامة.
المشاركة في المبادرة مكنت مازن من اطلاق فكرة مع زملاء عن مشروع آخر مهم صمم لتطبيقه في دولة فيتنام، يقول مازن ان التطبيق يسمح للسياح من معرفة اي المواقع السياحية المزدحمة اثناء قيامهم بالجولات السياحة مما يحول بينهم وبين المواقع المزدحمة بالسياح والتوجه الى المواقع المثيلة لها، ويشير إلى أن المشروع فاز بدعم مالي وفني.
قصة مازن أشبه بقصة بساط الريح الطائر، فهو ما ينتهي من مغامرة مبادرة إلا ويجد في نفسه ظمأً إلى فكرة جديدة في ريادة الأعمال لخدمة بلده، يقول مازن أنه شارك في منتدى ” مهني الشباب لحماية التراث العالمي ” بدولة تونس، برعاية من منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم ” اليونسكو” ، ويشير إلى أن المنتدى ساعد في إجراء عملية ” تشبيك ” مع شباب الدول العربية عرف باسم ” حماة التراث “.
ويرى مازن المتحلي بروح القيادة كما رواد الأعمال أن المشاركة أكسبته معرفة كيفية تأهيل وحماية وإعادة إعمار مواقع التراث العالمي وكيفية ادخال مواقع جديدة في القائمة. ويخلص مازن إلى أهمية رفع وعي السكان المحليين بجانب دور الحكومة في إدخال مواقع جديدة لقائمة التراث العالمي والمحافظة على تلك المواقع.
ويعتقد مازن أنه لابد من تغيير السياسات لدعم السياحة ويشير إلى أهمية التأشيرة السياحية وأضاف ” نعاني في مجال الفيزا السياحية ” لافتاً إلى عدم وجود معلومات موحدة عن التأشيرات في سفارات السودان بالخارج.
التعريف بالجانب الآخر للسودان
خاض مازن مع ناشطين ومتخذي قرار في مجال السياحة معركة ” أذونات السفر” والتي كانت تقض مضجع الفاعلين في مجال السياحة، ويشير إلى أنهم كسبوا تلك المعركة.
لكن همة مازن لا تتوقف عند كسب معركة وإنما هو في حالة خوض حرب دائمة لأجل السياحة. يقول إنهم بدأوا في أمر جديد في “Visit Sudan ” بإنتاج سلسلة حلقات على اليوتيوب وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
ويشير إلى أن البداية كانت برحالة أمريكي يدعى ” دروينسكي ” وهو جوال زار (178) دولة حول العالم. أنتج مازن 5 فيديوهات عن السائح الأمريكي بين مدينتي الخرطوم ومروي ، يشير إلى الفيديوهات حصدت 5 ملايين مشاهدة ويضيف ” بسبب فيديوهات دروينسكي فإن مئات السياح وصلوا إلى السودان متتبعين أثر خطوات السائح الأمريكي”.
يعمل مازن الآن على إعداد فيديوهات بمشاركة رحالة عربي يسمى ابن بطوطة يتابعه 500 ألف مشترك بجانب رحالة آخر من سلطنة عمان يتابعه مليونا مشترك.
يشرح مازن أهمية تلك الفيديوهات مع أولئك الرحالة بالقول إنهم يروجون للسودان بشكل مغاير، ويصمت برهة ثم يضحك قائلا : ” إنها أفضل بمليون مرة من المؤتمرات والمنتديات والمهرجات التي تقام “.
مدخل الناس .. لدورة الاقتصاد
درس مازن ريادة الأعمال في ماليزيا ،لكنه عندما عاد للسودان بروح وأفكار خلاقة وطموحات كبيرة أحبط كثيراً، يقول:” أحبطت جداً .. كل شئ صعب.. التصاريح والتصديقات .. حتى التصوير “.
ويرى أن انطلاقة الاقتصاد الوطني تتطلب السرعة في تسجيل الشركات مشيراً إلى أهمية الشركات الناشئة بجانب إيلاء التوعية القانونية اهتماماً أوسع، ويعتقد أن تسهيل الإجراءات يعني أن ” أناساً كثراً سيدخلون دورة الإنتاج “. لافتاً إلى أن ربات المنازل اللائي يرغبن في زيادة دخلهن بأعمال من داخل منازلهن بيد أن تعقيدات الإجراءات تمنعهن من ذلك”.
ويقترح رائد الأعمال الشاب أن تشرع الدولة في إجراء إصلاحات في السياسات والتشريعات بجانب تسهيل بدء البزنس. ويعطي مازن مقاربة لدول أخرى تسرع الأعمال بإجراء رخص تسجيل الشركات في يوم واحد. ودعا وزارة الخارجية للاهتمام بالتأشيرات السياحية ، ويشير إلى دور الشركات الكبيرة في دعم رواد الأعمال، لافتاً إلى أن معظم رواد الأعمال لا يحصلون على تمويل ويضيف : ” بدون تمويل لا يوجد بزنس.. الرواد الشباب يعتمدون على التمويل العائلي”.
محصلة الجهود .. تغيير نظرة الناس
ويوجه رائد الأعمال الشاب رسائل عدة ، ويقول يجب الاهتمام برواد الأعمال في مجال السياحة ويشير إلى أن عدد العاملين في قطاع السياحة في السودان قليل بالنسبة لعدد السكان.
ويرسل رسالته الثانية في ” بريد المجتمع ” ويقول : ” يجب على المجتمع ألا يحتقر أصحاب المهن” ويشير إلى مهن الفندقة والسياحة.
ويمنح رسالته الثالثة إلى نظرائه من رواد الأعمال، ويقول : ” ادخلوا مجال السياحة المستدامة .. غيروا نظرة المجتمعات المحلية .. اكسروا احتكار الشركات الكبيرة”.
مع بداية العام الجديد (2020) ، يتأهب مازن لمواصلة أعماله في السياحة المستدامة، مدفوعاُ بروح رواد الأعمال بعد صقل موهبته ونضوج أفكاره وتوسع معرفته .. لن تتوقف روح مازن الوثابة فهي خلقت لإحداث التغيير وسط المجتمعات المحلية لأجل مستقبل مشرق بلا آلام.