أقدي: عبدالوهاب جمعة
وسط جبل أشم ، يرقص فارس يوسف مع رصفائه ” أنشوة الحصاد ” والتي تذكر الناس بنعمة الأمطار وغلة وفيرة من الذرة تقي أهل المنطقة العوز.
والشاب العشريني يرقص وسط عازف ” ربابة” و نافخ بوق ، وفرسان بأزيائهم التقليدية ، وبذلك يذكرون بشيم رجال الإنقسنا الشجعان في مواجهة الأخطار.
يقول فارس يوسف وهو يؤدي رقصة الحصاد إن الأنشودة تذكير بنعمة الأمطار وعطاء الحصاد الوفير من الذرة، ويشير إلى أن الأنشودة من تراث شعب الإنقسنا ويضيف ” إنها تزيد من حماس الناس لأجل حصاد وفير”.
ويؤدي فارس الأنشودة منذ أن كان صغيراً، ويقول : ” إنه بذلك يحافظ على تراث الأجداد “. ويشير إلى ميراث الأسلاف في الدعوة لنداء ” النفير ” لجمع الناس للحصاد وفي حالة ” الفزع ” لنداء الجميع لمواجهة الخطر.
وأفراد الإنقسنا هم من آخر الشعوب الأصلية بالسودان ويقطنون سلسلة جبال الإنقسنا في النيل الأزرق، وتعرضت حياتهم للتغير طيلة سنوات حكم الإنقاذ.
وفي منتصف جبل يسمى ” أقدي “، وهو أحد أربعة جبال تحيط بمنطقة أقدي جنوبي الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق، جلس عازف آلة موسيقية محلية تدعى ” الربابة ” وتحلق حوله فرسان بأزيائهم التقليدية وهم يرقصون ويغنون “أنشودة الحصاد “.
يضع المشاركون في الأنشودة ريشات النعام والطيور الأخرى لتزيين الرأس بطولها المنتصب والمتمايل مع حركة الرياح والرؤوس المترنحة بالحماس.
يرتدي المؤدون الرداء المصنوع من ” سعف” نبات الدوم الذي ينمو في وديان وجبال الانقسنا، ويدور الجميع في حلقة كبيرة من الغرب إلى الشرق بينما عازف ” الربابة ” جالس على صخر أملس وسط الحلقة.
في كل مرة يطلق نافخ البوق المصنوع من قرون الأبقار، أصواتاً مزمجرة تزيد حماس الناس ، وعندما يصل عازف ” الربابة ” الى قمة الأغنية تبدأ الحلقة بالانكماش لتنتهي بضربة من الأقدام على الأرض مع آخر نغمة من العازف.
يقول عمدة منطقة ” أقدي “، مصطفى دواس، إن احتفال أنشودة الحصاد بجبال منطقة أقدي له خصوصية لشعب الإنقسنا ، ويشير إلى أن منطقة أقدي ذات رمزية كبيرة لشعوب الإنقسنا.
وقال : ” منطقة أقدي فيها الرأي والمشورة .. وفيها يعالج الجرحى “، ويشير إلى قصص محاربي الإنقسنا الشجعان الذين واجهوا الحيوانات الوحشية في ماضي الزمن.
وقال إن الأسود والمفترسات اللاحمة كانت تجوب سهول وجبال الإنقسنا في غابر الأيام.
ويشير إلى “محارب الإنقسنا المهاب ” والذي يقف أمام الأسد في الممر الجبلي لجذبه إلى الكمين المعد ، ويضيف ” يمسك الفارس بفك أو ذراع الأسد ريثما يغرس الفرسان الآخرون نصالهم في جسده”.
وقال إن صوت ” القرن” يطلق لتحذير الناس من الأسود والحيوانات الوحشية ويضيف ” البوق إذا أطلق فأنه يعني أن أمراً جللاً قد يحدث”.
وبابتسامة رجل خبر الحياة لسنوات طويلة يقول ” القرن بديل عن الهاتف الجوال حالياً في التنبيه للمخاطر ودعوة الناس”.
ينزل فارس يوسف من جبل ” أقدي ” الى السفح وقد استلهم من صخر الجبل عزيمة أرواح الأسلاف ، بيد أنه هناك عند السفح سيواجه متغيرات الحياة والتي ربما تعصف بآخر فرسان شعب الإنقسنا.