الخرطوم : عايدة قسيس
ظلت فكرة زيادة الاجور وتعديل الهيكل الراتبي، أمراً يؤرق كثيرا من العاملين والحكومة على حد سواء، لجهة ان كل يوم تشهد فيه الاسواق ارتفاعا في الأسعار دون ان تكون الأجور مجدية لمقابلة تلك الزيادات، وظلت العلاقة مضطردة ما بين الاجور الضعيفةوالزيادات المتصاعدة في اسعار السلع والخدمات، فالحد الادنى للأجور التي حددتها الدولة بواقع 425 بات لا يساوي او يكفي أقل الاحتياجات الضرورية ما كان من المهم والضروري بأن تزيد الدولة الاجور .
فبعد تشكيل الحكومة الانتقالية وتقلد دكتور ابراهيم البدوي منصب وزير المالية والاقتصاد وعد بزيادة الاجور لمقابلة ارتفاع تكاليف المعيشة وكان من المفترض ان تتضمن في موازنة العام 2920 ، إلا انها تم ارجاعها لمزيد من الدراسة، لكن وزير المالية الدكتور ابراهيم البدوي اصدر قراراً بتشكيل لجنة لدراسة ومعالجة وتحسين الهيكل الراتبي في مؤسسات الدولة بالقطاع العام وفق شروط الخدمة العامة وتوصلت اللجنة بقيادة البروفسير عبد المحسن مصطفي من خلال مداولات ومناقشات مستفيضة بالوصول لرؤية علمية تمكن الدولة في تغيير الهيكل الراتبي وفق تدرج السلم الوظيفي للعاملين في مؤسسات القطاع العام في اطار ترقية الأداء الوظيفي وتحسين الهيكل الراتبي للعاملين في الدولة، فيما سعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في وضع رؤية تحقيق اهداف الدولة وتحسين المستوى المعيشي .
واوصت اللجنة بزيادة أجور العاملين في الخدمة المدنية بنسبة تعادل 569% في المتوسط ما بين درجات السلم الوظيفي ، وبالإضافة رفع الحد الأدنى للأجور من 425 جنيه الى 3000 جنيه (سبعة أضعاف) بتغيير مقدر وكبير في تاريخ الخدمة المدنية في معالجة وتحسين الأجور للعاملين في الدولة وفق رؤية مستجدة ‘ مؤكدين على الزيادة ستغير في تحسين الوضع المعيشي للعاملين في الدولة.
وفي السياق وجهت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بأن تُصرف مرتبات شهر ابريل ابتداً من الآن على أن تصرف فروقات الزيادة لمرتب شهر ابريل مع مرتب شهر مايو بالهيكل الراتبي الجديد، وتخوف الخبراء الاقتصاديين من تمويل زيادة الاجور بطباعة العملة او تغطية الزيادات من عملية التمويل بالعجز مؤكدين على الاثار السالبة لزيادة الاجور على اسعار السلع ومعدلات التضخم فيما لم ينفوا حالة السرور والفرح الذي سيصيب العاملين من زيادة الاجور والذى من شانه تحقيق العدالة الاجتماعية لديهم ‘ مؤكدين على ان نسبة الزيادة كبيرة وعالية.
وقال الاقتصادي بجامعة الخرطوم دكتور محمد الجاك بأن زيادة الاجور من شأنه ان يكون له اثر ايحابي في حال ان ارتبط بالرقابة والتحكم في الاسواق بجانب ان تكون محسوبة بزيادة الانتاج ، مراهنا من غير ذلك يكون كالتمويل بالعجز بمعنى آخر طباعة نقود وليست مشاريع انتاجية حقيقية، واكد الجاك في حديث لـ (afroshongir ) بأن الدولة مازالت مقصرة وغير قادرة على التحكم والسيطرة في السوق والاسعار بالتالي اي زيادة في الاجور ستمتصها زيادة الاسعار ومعدلات التضخم وعليه لن يكن الفرد مستفيدا من الزيادة ولن ينعكس على مستوى معيشة الفرد لجهة ان الزيادة النقدية قابلها زيادة في التضخم ..
وشدد الجاك على ضرورة ان تركز الدولة على الانتاج وفي ذات الوقت التدخل والتحكم في السوق ، وتابع ليست من المفيد ان تترك الدولة قطاع الانتاج للمؤسسات الخاصة باعتبار ان تدخل الدولة في الانتاج مصدر لعرض السلع واردف” التحرير لا يعني ان الدولة تتبرأ بسهولة كاملة عن الانتاج ” على حد قوله، مؤكدا على ان المؤسسات الخاصة لها كثير من الإسلام التى تجعلها تفرض اسعار عالية من خلال الاحتكار والوسطاء والسماسرة والوكلاء، مشددا على ضرورة تدخل الدولة لحسم تصاعد الاسعار ومراقبة الاسواق.
وفيما يتعلق بزيادة الاجور وانعكاساتها على الموازنة اكد الجاك على ان كل اللجان المشاركة كانوا يطالبون بتقديم مقترحات لزيادة الايرادات باعتبار ان الدولة ليست لديها مصادر لتمويل الايرادات بالتالي قد تلجأ لطباعة النقود، مؤكدا على اثر ذلك المباشر على التضخم، كاشفا ان كل المقترحات التى انطلقت في الايرادات كانت تنحصر في مشروعات تنموية بجانب التركيز على زيادة الحصيلة الضريبية، لافتا الى ان المعروف ان نسبة المساهمة الضريبية في الناتج القومي تشكل نسبة بسيطة، مشيرا الى ان النسبة الضريبية من ادنى النسب المعروفة والضرائب لا تساهم مقارنة بالإنتاج، منوها الى ان ذلك نتاج للاساليب السالبة من تهريب ضريبي وتجنيب واعفاءات ، موضحا ان الدولة من جانبها لا تستطيع الزيادة في الحصيلة الضريبية الا من خلال التوسع في المظلة الضريبية لتشمل فئات جديدة، مبينا ان ذلك يتيح توفير الايرادات لمواجهة مقترحات زيادة الاجور.
واستهجن الجاك ان تكون الزيادات بتلك النسب العالية وتابع ” اخشى ان الدولة تزيد الاجور دون ان تجد مصادر حقيقية للإيرادات، ما قد يؤثر على تدهور المعيشة، فيما وصف الاقتصادي اوهاج السيد زيادة الاجور بالأمر الطيب والمنصف للعاملين وبالأخص بعد الزيادات الهائلة في المستوي للأسعار، غير ان اوهاج رجع متسائلا في حديث لـ ( afroshongir) من اين سيتم تمويل تلك القفزة الهائلة في مستوي الاجور ؟ مضيفا وهل سيتم تمويل الزيادة بالتوسع في طباعة النقود ؟ واصفا في الوقت ذاته الأمر بالخطير ما قد يؤدي الي إنهيار اقتصادي متوقع لجهة ان الزيادة في طباعة النقود من شانه ان يمدد الكتلة النقدية وبالتالي زيادة معدلات التضخم وانهيار قيمة الجنية السوداني.
وحذر اوهاج في حال ان فكَرت الحكومة في تمويل زيادة الاجور بالتوسع في زيادة الضرائب سيقود ذلك أيضا الى زيادة الضرائب بالتالي الزيادة في المستوي العام في الاسعار، وقطع اوهاج بالرجوع الي مشروع الموازنة المقدمة والتي تمت إجازتها لم تكن هنالك تكهنات بمثل هذه الزيادة ليتم وضع تقديرات الايرادات للبناء عليها فهل هنالك احتياطات من النقود تم اعتمادها لتمويل الزيادة .
وقال اوهاج بالرغم من الفرحة التي ستنتاب كل عامل عند مطالعة اخبار الزيادات لكن يظل الهاجس الاكبر و السؤال الاساسي من اين سيتم تمويل هذه الزيادات؟ لافتا لوجود طبقات تكافح بالأجور الموسمية والاجور اليومية واصحاب المعاشات والدخول الثابتة، بالتأكيد سوف تجرفهم الزيادات على حد قوله ، وتابع “كنت اتمني قبل إعلان هذه الزيادات ان يتم الافصاح عن مصادر تمويلها في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوداني من ازمات خانقه في الوقود والخبز وزيادات متتاليه في اسعار السلع.
وفي الاتجاه قطع المصرفي محمد مصطفى بأن زيادة اجور العاملين بالقطاع العام الذي اعلن عنه وزير المالية والتي تصل نسبته 569% تكاد تكون الاكبر في تاريخ السودان وربما في العالم كله، وقال محمد مصطفى لـ (afroshongir) ان الخطوة لها مميزات وايجابيات تتمثل حسب وجهة نظره تتمثل في نقطتين أساسيتين اولها ازالة الظلم التاريخي على قطاع حيوي ومهم كقطاع التعليم حيث نال الزيادة الأكبر حتى تم مساواة مرتب الاستاذ الجامعي بوكيل الوزارة وهو اعلى مرتبة في كل وزارة بجانب زيادة مرتبات القطاع الصحي بنسب مقدرة ايضا.
واكد محمد مصطفى بأن الوضع في الموازنة العامة لن يكن معقدا في استصحاب رفع الدعم عن البترول والخبز والكهرباء ورفع بعض الرسوم الحكومية الاخرى لجهة امكانية تلك الدعومات في تغطية العجز في الموازنة، مناديا التركيز على ضرورة وضع سياسات واضحة وصريحة واليات فعالة لضبط جماح السوق ‘ لافتا الى انه من بديهة الامور ان تكون هنالك قفزة نوعية في الاسعار وارتفاع نسبة التضخم عقب قرارات اعلان زيادة الاجور ومن ثم لابد من ان تعمل الية السوق على استتباب نسبة التضخم في الحد المعقول، مشيرا في السياسة النقدية الى ضرورة ان لا تسعى الدولة على تغطية الزيادات من عملية التمويل بالعجز مماسيؤدي الى زيادة غير محدودة على الاسعار وتحطيمها لكل النسب المتوقعة، فيما إذا تم التمويل من فوائض فروقات رفع الدعم عن بعض السلع فسيكون له مردود ايجابي.
وتوقع الخبير الاقتصادي دكتور السماني حنون في حديث لـ (afroshongir) ارتفاع في الأسعار اكثر من نسبة الزيادة في الأجور، مؤكدا على انه كلما زادت الأجور زاد السوق اشتعالا واصفا ذلك باطفاء النار بالبنزين.
وشدد حنون خلال طرحه لعدد من من مقترحات الحلول الى استرداد الأموال المنهوبة والمجنبة لوزارة المالية ‘ بجانب خروج كامل للمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية من التجارة والاستثمار مع اهمية منع السماسرة وبناء علاقة مباشرة بين البائع والمشتري من خلال مراكز البيع والجمعيات التعاونية.
وطالب حنون في مقترحات حلوله منع الاحتكار بكافة أشكاله وتعزيز المنافسة التامة في كل الاقتصاد بالاعتماد على التقنية في الرقابة وتوفير المعلومات لتقليل الجهد والتكلفة، فضلا عن استقطاب كادر مؤهل في المؤسسات الاقتصادية بعيد عن المحاصصة الحزبية، وتعزيز المقايضة في التعاملات التجارية الداخلية والخارجية لتقليل الطلب على النقود، مناديا بالإسراع في توقيع السلام وتحقيق المصالحة الوطنية بعد المحاسبة وتطبيق العدالة على المجرمين والمفسدين مع اهمية تغيير العملة وفق ضوابط وشروط محددة كاشفا عن وجود تصور تفصيلي لتغير العملة، وشدد حنون بعدم التركيز على الخارج وتعزيز الحلول الداخلية للازمات،
مؤكدا على ان المقترحات التي قدمها مختصرة وسريعة وعليه يبقى الاقتصاد علم البدائل يمكن الإضافة والحذف حسب مقتضي الحال، مذكرا أن إدارة الاقتصاد مهارة وموهبة.