
كيغالي – afroshongir
في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الأمن الصحي في القارة الإفريقية، قدّم كل من البنك الأوروبي للاستثمار والمفوضية الأوروبية تمويلاً مشتركاً بقيمة 110 ملايين دولار أمريكي لدعم إنشاء وتشغيل مصنع اللقاحات التابع لشركة “بيونتيك” الألمانية في رواندا، حسب ما أفاد موقع “سيمافور“.
التمويل الجديد يأتي في إطار جهود الاتحاد الأوروبي لبناء قدرات تصنيع اللقاحات في إفريقيا، وتقليل اعتمادها التاريخي على استيراد الأدوية والمواد الطبية، لا سيما بعد ما كشفت عنه جائحة كوفيد-19 من هشاشة سلاسل التوريد العالمية وغياب الإنتاج المحلي في العديد من الدول الإفريقية.
مصنع “بيونتيك” في رواندا… نقلة نوعية
من المتوقع أن يُحدث المصنع، الذي سيعتمد على تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)، نقلة نوعية في واقع صناعة اللقاحات في إفريقيا. وسيُتيح المصنع إنتاج لقاحات ضد أمراض مثل كوفيد-19، والملاريا، والسل، إلى جانب أمراض متوطنة أخرى طالما أنهكت أنظمة الصحة العامة في القارة.
ويُعدّ اختيار رواندا لتكون موقعاً لهذا المشروع مؤشراً على الثقة الدولية المتزايدة بقدرات البلاد التنظيمية واللوجستية الحمض النووي الريبي المرسال، فالحكومة الرواندية تبنّت منذ سنوات استراتيجية لتطوير قطاع الصحة، بما في ذلك تسهيل الاستثمارات الأجنبية في الصناعات الدوائية، وتحديث التشريعات الصحية، وتوسيع البنى التحتية التقنية.
واقع صناعة الأدوية في إفريقيا… تحديات وفرص
على الرغم من النمو السكاني المتسارع في إفريقيا، فإن القارة لا تنتج سوى أقل من 2 % المئة من الأدوية التي تستهلكها، بحسب بيانات الاتحاد الإفريقي. وتعتمد معظم الدول الإفريقية على الاستيراد من آسيا وأوروبا، وهو ما يضعها في موقع ضعف خلال الأزمات العالمية، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19.
غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحركات جادة لتغيير هذا الواقع، فقد بدأت دول مثل جنوب إفريقيا، والسنغال، ونيجيريا، في تبني مبادرات وطنية لدعم التصنيع المحلي للأدوية، إلى جانب شراكات دولية مع شركات عالمية مثل “فايزر”، و”موديرنا”، و”بيونتيك”.، فالتحدي الأكبر لا يقتصر على التمويل أو التكنولوجيا، بل في بناء منظومة متكاملة تشمل التعليم الطبي، وتطوير البحث العلمي، وتحديث البنية التحتية، وتعزيز الشفافية التنظيمية، حسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الاتحاد الافريقي.
رهانات استراتيجية على المدى الطويل
التحرك الأوروبي لدعم مشاريع صناعية طبية في إفريقيا لا يخلو من أبعاد جيوسياسية، فمع ازدياد التنافس الدولي على النفوذ في القارة، تسعى أوروبا إلى ترسيخ شراكات اقتصادية وتنموية أكثر توازناً، في مواجهة تنامي النفوذ الصيني والروسي، ويُنظر إلى رواندا، التي تستضيف المشروع، باعتبارها نموذجاً لدولة إفريقية استطاعت، رغم ماضيها المضطرب، أن تبني اقتصاداً مستقراً وتحقق نسب نمو مرتفعة، ما يجعلها بيئة جاذبة للمشاريع الحيوية مثل تصنيع اللقاحات.
مع اكتمال المشروع، تأمل رواندا أن تتحول إلى مركز إقليمي لتكنولوجيا mRNA، لا يخدم فقط السكان المحليين، بل يوفر الدعم الفني والإمدادات لدول الجوار في شرق ووسط إفريقيا، ضمن رؤية أوسع لتحقيق الاكتفاء الدوائي الإفريقي خلال العقود القادمة.
