
جدة: محمد فتحي
برعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، تنظم جامعة الملك عبد العزيز “المؤتمر الأول للابتكار وريادة الأعمال في الجامعات السعودية” خلال الفترة من 21 إلى 22 أكتوبر الجاري، تحت شعار “فكرة واختراع وأثر”، بمشاركة واسعة من جهات حكومية، وجامعات، وخبراء ومبتكرين من مختلف أنحاء المملكة.
تحتضن قاعات الجامعة هذا الحدث الذي يُعد الأول من نوعه على مستوى الجامعات السعودية، في محاولة جادة لرسم ملامح مستقبل الابتكار الوطني من داخل المؤسسات الأكاديمية، وإبراز دورها كقوة دافعة نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، لاسيما في مساري الاقتصاد المعرفي وريادة الأعمال.
الجامعات.. مصانع الأفكار:
لطالما شكلت الجامعات حول العالم بيئة حاضنة للأفكار والابتكارات. وفي السعودية، يتنامى هذا الحراك بوتيرة متسارعة، وسط دعم حكومي لافت وجهود متنامية لتحويل مخرجات البحث العلمي إلى منتجات قابلة للتطبيق والاستثمار، ومع أن الابتكار الجامعي ليس وليد اللحظة، فإن حضوره في الخطط الوطنية بات أكثر وضوحًا، إذ لم يعد دور الجامعات محصورًا في التعليم والتدريس فحسب، بل تجاوز ذلك إلى صناعة الحلول، وتوليد المعرفة، وتحويل المختبرات إلى منصات لانطلاق الشركات الناشئة.
ويهدف المؤتمر، بحسب جامعة الملك عبد العزيز، إلى تحويل الجامعات إلى محركات للنمو الاقتصادي، من خلال تطوير منظومة الابتكار وريادة الأعمال، وتحقيق الربط الفعّال بين التعليم وسوق العمل، وبين البحث العلمي والقطاع الصناعي.
مقومات عديدة للمملكة في خوض غمار التنافسية في المجال أبرزها الدعم غير المسبوق من القيادة السياسية للابتكار والتعليم العالي، وجود جامعات سعودية ضمن أفضل 200 جامعة عالميًا في مؤشرات البحث العلمي، إطلاق برامج وطنية داعمة، مثل “برنامج تنمية القدرات البشرية”، و”صندوق دعم الابتكار”، و”مبادرة الجامعات الريادية”، النمو المتسارع في عدد الحاضنات ومراكز الابتكار، التي بلغ عددها أكثر من 60 مركزًا في مختلف الجامعات.
المؤتمر.. نقطة تحول:
بحسب المتحدث الرسمي لجامعة الملك عبد العزيز، الدكتور مصعب الحربي، فإن هذا المؤتمر لا يقتصر على تبادل الأوراق العلمية، بل يسعى إلى إحداث تحول عملي في علاقة الجامعات بالابتكار وريادة الأعمال، عبر مناقشة أربعة محاور رئيسة بناء منظومة الابتكار وريادة الأعمال في الجامعات، ويشمل ذلك تطوير البنية التحتية، والأنظمة الداعمة، والكفاءات البشرية، الاقتصاد المعرفي وأثره على الفرد والمجتمع، لتسليط الضوء على الفرص المتاحة للمبتكرين في القطاعات المختلفة، نقل وتوطين التقنية لبحث آليات تجسير الفجوة بين البحث والتطبيق، رواد الأعمال والاستثمار في الاختراعات كمنصة لجذب المستثمرين وتوسيع شبكات التمويل للمبتكرين.
ويضيف الحربي: “نهدف إلى تحويل مخرجات الأبحاث الجامعية إلى شركات ناشئة ذات أثر اقتصادي ومجتمعي، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة، خاصة في قطاع تنمية القدرات البشرية”، مؤكدًا أن “الابتكار هو مسؤولية جماعية، تتطلب تكاتفًا حقيقيًا بين الجامعات والجهات الحكومية والقطاع الخاص”.
من الجامعة إلى السوق
أحد أبرز التحديات التي سيتطرق إليها المؤتمر، هي الفجوة بين مراكز البحوث بالجامعات وسوق العمل، فالعديد من البحوث الجامعية تبقى حبيسة الأدراج، في ظل غياب آليات فعالة لتحويلها إلى منتجات، أو استقطاب المستثمرين لها.
ويُنتظر أن تناقش جلسات المؤتمر تجارب ناجحة في هذا المجال، من جامعات سعودية استطاعت بناء منصات وحاضنات أعمال داخل الحرم الجامعي، مثل “واحة جدة للعلوم والتقنية” بجامعة الملك عبد العزيز، و”مركز الابتكار” بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، إضافة إلى مبادرات ريادية من جامعات طيبة، والأميرة نورة، والإمام عبد الرحمن بن فيصل، كما سيتضمن المؤتمر ورش عمل تطبيقية لتمكين الأكاديميين والطلبة من معرفة كيفية تأسيس الشركات الناشئة، وآليات التمويل، وحقوق الملكية الفكرية، وتسويق الابتكارات.
رؤية 2030.. خارطة الطريق:
تؤكد وثائق “رؤية المملكة 2030” على أن الابتكار والبحث العلمي هما من الأعمدة الرئيسة لبناء اقتصاد مزدهر ومتنوع، ولا يغفل المتابع أن الرؤية وضعت الجامعات في قلب التحول الوطني، مطالبةً إياها بأن تكون أكثر ارتباطًا بالواقع، وأكثر تفاعلًا مع احتياجات المجتمع والصناعة، وفي هذا الإطار، تعمل وزارة التعليم ووزارة الاقتصاد والتخطيط و”الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)”، على إعادة هندسة السياسات التعليمية لتمكين الابتكار والبحث التطبيقي في الجامعات، كما أطلقت جهات تمويلية، مثل “صندوق التنمية الصناعية”، و”منشآت”، و”بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة”، برامج تمويل مخصصة للمبتكرين من داخل الجامعات.
التوصيات المنتظرة:
من المتوقع أن يخرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات، قد تكون مفصلية في صياغة مستقبل الابتكار الجامعي، أبرزها تعديل الأنظمة الجامعية لتشجيع تحويل الأبحاث إلى مشاريع ريادية، إنشاء صناديق استثمار جامعية لدعم المبتكرين، تطوير برامج تعليمية تدمج الابتكار في المناهج الجامعية، تعزيز ثقافة ريادة الأعمال في أوساط الطلبة، إطلاق جوائز وطنية لأفضل المشاريع الجامعية القابلة للتطبيق التجاري.
حراك تعزيز الابتكار:
إن ما يشهده التعليم العالي في السعودية من حراك نحو تعزيز الابتكار وتحويل الجامعات إلى منصات إنتاج معرفي واقتصادي، يمثل أحد المسارات المفصلية في بناء اقتصاد وطني قادر على المنافسة عالميًا، ومع انعقاد “المؤتمر الأول للابتكار وريادة الأعمال في الجامعات”، تتطلع الأوساط الأكاديمية والصناعية إلى مخرجات قادرة على تحويل الأفكار إلى واقع، والاختراعات إلى استثمارات، بما يحقق شعار المؤتمر: “فكرة، واختراع، وأثر”.
