تقرير: محمد فتحي
في حراك اقتصادي يشهد تسارعاً للتحول الرقمي، تبرز منصة «النفّاج» كأحدث تجربة تقنية سودانية تسعى لربط الأسواق المحلية بالإقليمية، من خلال تطبيقٍ للتسويق الإلكتروني أطلقه فريق من الشباب السوداني بقيادة المهندس أيمن المدني، بهدف تمكين المنتجين والمستهلكين والشركات في فضاءٍ واحد.
وخلال حفل التدشين الذي أقيم في العاصمة السعودية الرياض، مساء أمس، بحضور دبلوماسيين ورجال أعمال وإعلاميين، كشف المدني أن المنصة “تهدف إلى تمكين الأسر المنتجة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ودعم الشركات للوصول إلى الأسواق السودانية والخليجية بسهولة، إضافةً إلى ربط أصحاب الأعمال بالكفاءات السودانية داخل وخارج السودان”، مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد «إطلاق قسمٍ خاص لفرص الاستثمار وربط المستثمرين في الخليج بالمشاريع السودانية الصغيرة”.
خطوة ذكية:
الخبير الاقتصادي المهندس أحمد مجدي وصف المشروع بأنه «خطوة ذكية في وقتٍ يتجه فيه السودان نحو التحول الرقمي رغم التحديات»، مشيراً إلى أن المنصة «تسهم في تنظيم السوق غير الرسمي، وتفتح قنوات تسويقية واستثمارية جديدة”، يستشرف مستقبلاً واعداً حين يلبث السودان ثوب الحياة الزاهي.
ويرى مجدي أن إطلاق تطبيق «النفّاج» في هذا التوقيت خطوة مهمة، إذ يتزامن مع زيادة حركة التبادل التجاري الرسمي وغير الرسمي بين السودان ودول الخليج، خصوصاً في قطاعات المنتجات الغذائية والحرفية والخدمات، مشيراً إلى أن التطبيق يوفر قناة تسويقية منظمة، تعيد الثقة إلى السوق السوداني وتفتح المجال أمام الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة حين يعم السلام ربوع وطننا.
وجهة نظر السوق: بين الحاجة والفرصة:
الخبير في التسويق الرقمي أواب محمد ميرغني يرى أن «النفّاج» دخل إلى السوق في لحظة فارقة، إذ تزايد اعتماد المستهلك السوداني على القنوات الرقمية بعد تراجع الخدمات التقليدية، موضحاً أن المستهلك السوداني أصبح رقمياً، يعتمد على واتساب وفيسبوك للبيع والشراء، لكن تلك القنوات لا توفر الأمان ولا التنظيم، مشيراً إلى أن ما يفعله النفّاج هو نقل هذا النشاط العشوائي إلى بيئة مؤسسية موثوقة للأسر المنتجة ورواد ورائدات الأعمال في الخليج وفي أرض الوطن مستقبلاً.
ويضيف أن التحدي الأكبر سيكون في «بناء الثقة بين البائع والمشتري»، خصوصاً في ظل غياب أنظمة دفع إلكتروني مستقرة داخل السودان، خاصة في وضعه الماثل، مشدداً «إذا تمكن الفريق من إيجاد حلول دفع وشحن مرنة، فسيكون التطبيق نقطة تحول في السوق السوداني بلا مبالغة”.
أما المستشار التسويقي السعودي جابر اليامي، فأكد أن «النفّاج» يحمل فرصاً كبيرة في دول الخليج، خصوصاً مع وجود جالية سودانية واسعة تبحث عن منتجات بلدها الأصيلة، لافتاً إلى أن المنصة يمكن أن تخلق سوقاً موازية للمنتجات السودانية إذا تم تعزيز الثقة وخدمات التوصيل.
ويضيف اليامي أن التوسع في دول الخليج يتطلب «تحالفات استراتيجية» مع منصات وشركات لوجستية محلية، مشيراً إلى أن الهوية السودانية للتطبيق قد تكون نقطة قوة، إذا تم تسويقها كمنصة أصيلة تربط المغترب بجذوره.
وتتميز المنصة بنظام التوظيف الذكي الذي يسمح للشركات بنشر الوظائف واستقبال الطلبات مباشرة عبر التطبيق، وهي خاصية ترى فيها خبيرة الموارد البشرية ابتهال الطيب “جسراً جديداً لربط الكفاءات السودانية بالمؤسسات الخليجية، خصوصاً في القطاعات التقنية والهندسية والطبية. إذا تم تفعيل هذه الخاصية بآلية مطابقة دقيقة، فستحقق نجاحاً لافتاً”.
ويجمع المراقبون على أن «النفّاج» يمثل تجربة اقتصادية رقمية واعدة، تسعى إلى تجاوز حدود التجارة الإلكترونية نحو خلق منظومة تنموية تربط السودان بالأسواق الخليجية في فضاء واحد، محكومة بالثقة والانفتاح.
وكما يقول المدني في ختام حديثه: “النفّاج في بيوتنا القديمة كان نافذة تربط الجيران… واليوم نريده أن يكون نافذة تربط السودان بالعالم”.
آفاق المستقبل:
رغم أن اختيار الرياض لتدشين التطبيق ليس مصادفة، بل يحمل رمزية: السوق الخليجية تمثل قطباً تجارياً حيوياً للسودانيين، والجالية السودانية تشكل جسراً مهمّاً، وتلك ميزة تنافسية، يحولها من مجرد تطبيق محلي، إلى منصة طموحة للأعمال العابرة للحدود، إلا أن خبراء يعتقدون أن أن النجاح الحقيقي لـ«النفّاج» في ظل تسارع النمو الرقمي في المنطقة سيتوقف على ثلاثة عوامل رئيسية هي الشراكات الإقليمية مع شركات التوصيل والدفع الإلكتروني، التسويق الثقافي الذكي الذي يبرز الهوية السودانية بأسلوب عصري، الاستثمار في الثقة عبر نظام مراجعات وتقييمات يضمن الشفافية بين المستخدمين.
