
في قلب العاصمة الأنغولية لواندا، وعلى وقع تحديات بنية تحتية وهياكل سوقية تقليدية، تطل أحد أكثر مشروعات التكنولوجيا طموحًا في جنوب القارة الأفريقية: منصة Mamboo. تأسّست في أبريل 2020، ووضعت هدفاً كبيراً لنفسها: أن تكون «تطبيقًا شاملًا» يخدم كل شيء في كل مكان داخل أنغولا، ويرفع من وتيرة التحول الرقمي في البلاد.
تحوّل البيئة الرياديّة
حتى وقت قريب كانت ريادة الأعمال التقنية في أنغولا تمضي بخطى متأرجحة، إلا أن العافية بدأت تدب في أوصال المجتمع الريادي بفضل تمكين الحراك الريادي، لتقفز عدد الشركات الناشئة بـ 175 تقريباً، مقابل أكثر من 50 حاضنة ومسرّعة تعمل في السوق المحلي، ويرجع المراقبون أُسُس هذا التحول على عاملين رئيسيين: رغبة الدولة في تنويع الاقتصاد وإدخال التحول الرقمي في القطاعات المختلفة، إضافة إلى بزوغ جيل من روّاد الأعمال المحليين الذين يأمنون بأن الحلول يجب أن تُبنى محليّاً لتنجح.
في هذا الواقع انطلقت Mamboo، حيث ركّز مؤسّسوها على خلق “سوبر أب” (تطبيق شامل) يجمِع بين السوق الرقمية، واللوجستيات، والخدمات المالية الرقمية، وحددوا ثلاثة محاور أساسية: المنصّة التجارية (Marketplace) التي تجمع مطاعم وسوبرماركت وصيدليات، الخدمات اللوجستية الذكية، والحلول المالية الرقمية من خلال محفظة رقمية (Mamboo Pay).
قصة الشركة ورؤية السوق
بدأت Mamboo كخدمة توصيل بسيطة داخل العاصمة لواندا، في وقت كانت فيه حجم الشراء عبر الإنترنت والمشاركة الرقمية ما تزال محدودة. يقول كاي كارفالو، المدير التشغيلي المشارك: «سطرنا قصة نجاح ملهمة معمولة بحب”، بينما تشير بيانات الشركة إلى أنها بلغت أكثر من مليون عملية توصيل في أنغولا، ما يؤكّد أنّ هناك طلباً متنامياً، رغم كل التحديات.
من أبرز ملامح المنصة:
عقدت المنصة شراكة مع أكثر من 600 متجر وشريك تجاري في قطاعات متنوعة، بفضل بناء شبكة لوجستية ذكية تعمل بنظام “توصيل حسب الطلب” (crowdsourcing) وإدارة مسارات في الزمن الحقيقي، وإنشاء محفظة رقمية تمكّن المستخدمين من إرسال الأموال، ومشاركة المنصرفات، والدفع بسهولة داخل التطبيق، إضافة لتأسيس «Mamboo Lab»، مركز لتدريب مطوّري البرمجيات المحليين في أنغولا، بهدف تعزيز الكفاءات التقنية محليّاً.
لماذا أنغولا؟ ولماذا الآن؟
أنغولا، رغم ثروتها النفطية، كانت تواجه تحديات اقتصادية وهيكلية جعل اقتصادها يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للموارد، لكن في السنوات الأخيرة، رأى كثير من المراقبين أن التحوّل في قطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية أصبح يشكّل مفتاحاً لتنويع الاقتصاد وخلق وظائف للشباب، الشيء الذي يعزز من نجاح هذا المشروع انطلاقاً من العاصمة لواندا، والتوسع في خدماتها إلى محافظات أخرى، في ظل الطلب المتنامي على الخدمات الرقمية «السهلة» في المدن الكبرى، بتعزيز الشراكات مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وتوسيع البُنية اللوجستية مع الشركات الكبرى ، بالعمل على تطوير خدماتها لتشمل حلول جهاتB2B).)، من ثم توسيع حضورها اقليمياً وعالمياً، إذ دخلت بالفعل السوق التنزانية (منذ 2024).
أثر ريادي واجتماعي
ما يميّز Mamboo ليس فقط كونها شركة تكنولوجيا ناشئة أصبحت ذائعة الصيت في وقت وجيز، بل تركيزها على خلق قيمة مضافة محلية حقيقية، بتوظيف أكثر من 300 شخص مباشر وغير مباشر خلال خمس سنوات، وفتح قنوات تسويق ومبيعات لصغار البائعين عبر المنصة، للوصول إلى شريحة عملاء كبيرة في وقت وجيز، إضافة إلى تدريب مطورين محليين والحرص على بناء قدرات تقنية داخل أنغولا، لتعزيز الحراك الرقمي.
خارطة الطريق إلى المستقبل
إذا نحن أمام قصة نجاح قصة ملهمة بسواعد شابية قهرت تحديات كبيرة بعزيمة وإصرار، وعملت على بناء شبكات لوجستية ذكية، وحلول مالية رقمية في وقت وجيز ودقة متناهية، وإن يتطلب استدامة مثل هذه المشاريع لاستمرار الدعم الحكومي لتعزيز البنية الرقمية، التشريعات، والحوافز الاستثمارية، ونشر ثقافة العمل الحر، مع جهود تعليمية وثقافية لرفع وعي المستهلك والباعة حول التجارة الرقمية، وبناء مزيد من الحاضنات التقنية ومسرعات الأعمال، لتسريع النمو وتوسيع الأسواق.













