
تقرير: محمد فتحي
في زمنٍ لم تعد فيه كرة القدم حكاية أهدافٍ فقط، بل صناعة عابرة للقارات، يقدّم نادي النصر السعودي نموذجًا لافتًا في كيفية تحوّل الشعبية إلى أرقام، والألوان إلى علامة تجارية عالمية. فخلال عام 2025، سجّل النصر السعودي بيع 1,281,000 قميص رسمي، ليدخل قائمة العشرة الكبار عالميًا في مبيعات القمصان، محتلاً المركز العاشر عالميًا، ومتجاوزًا أندية عريقة مثل مانشستر سيتي، ليفربول، انتر ميلان، وميلان.
هذا الرقم، في لغة الاقتصاد الرياضي، ليس تفصيلاً عابرًا، بل مؤشر على تحوّل عميق في مكانة النادي، وعلى اتساع رقعة جماهيريته التي خرجت من الإطار المحلي إلى فضاء عالمي أكثر تنافسية. فالقميص، الذي كان في الماضي تذكارًا للمباراة، بات اليوم وثيقة انتماء، ورسالة هوية، وجواز عبور إلى ذاكرة المشجعين في آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.
نجاح النصر في سباق المبيعات لا يمكن فصله عن التحولات الكبرى التي شهدها النادي في السنوات الأخيرة؛ تحولات لم تقتصر على المستطيل الأخضر، بل شملت الإدارة، التسويق، والتموضع الذكي داخل السوق العالمية لكرة القدم. فالنصر لم يعد ناديًا ينافس على البطولات فحسب، بل مشروعًا متكاملًا يعرف كيف يخاطب جمهوره، ويقرأ شغفه، ويحوّله إلى قيمة اقتصادية مستدامة.
اللافت أن تفوق النصر على أندية أوروبية ذات تاريخ طويل في البطولات القارية يعكس تغيرًا في خريطة التأثير الكروي. فالجماهير لم تعد حبيسة الجغرافيا، بل باتت تتحرك مع القصة، والنجومية، والهوية البصرية. وفي هذا السياق، استطاع النصر أن يقدّم نفسه كنادٍ حديث، جريء، متصل بالعصر، دون أن يتخلى عن جذوره أو رمزيته المحلية.
رمز ثقافي
القميص النصراوي، بألوانه الصفراء والزرقاء، لم يعد مجرد زي رياضي، بل تحوّل إلى رمز ثقافي يرتديه المشجع في المدرج، وفي الشارع، وحتى في الفضاء الرقمي. ومع توسع الحضور النصراوي على منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت صورة القميص جزءًا من المشهد اليومي لجمهور عالمي، يتابع النادي بلغات مختلفة، ويستهلك محتواه بشغف لا يقل عن شغف جماهير الأندية الأوروبية التقليدية.
صناعة النجومية
كما أن هذا الإنجاز يعكس نجاح الاستثمار في صناعة النجومية، حيث لعبت الأسماء اللامعة داخل الفريق دورًا محوريًا في جذب الأنظار، وفتح أسواق جديدة، خصوصًا في مناطق لم تكن كرة القدم السعودية حاضرة فيها بهذا الزخم من قبل. ومع كل مباراة، وكل ظهور إعلامي، كان القميص النصراوي يحصد مشجعًا جديدًا، ويضيف رقمًا إلى سجل المبيعات.
اقتصاديًا، يضع هذا الرقم النصر في موقع متقدم ضمن أندية العالم التي باتت تعتمد على العائدات التجارية كأحد أعمدة الاستدامة المالية. فمبيعات القمصان لا تعني فقط أرباحًا مباشرة، بل تعزز قيمة العلامة التجارية، وترفع جاذبية النادي للرعاة والشركاء، وتمنحه قوة تفاوضية أكبر في السوق العالمية.
وفي المحصلة، فإن بيع أكثر من 1.28 مليون قميص في عام واحد ليس مجرد إنجاز رقمي، بل شهادة على أن النصر أصبح لغة كروية تُفهم في أكثر من قارة، وأن شعبيته لم تعد تُقاس بعدد المشجعين في المدرجات فقط، بل بعدد القمصان التي تُرفع كراية انتماء في مدن بعيدة، حيث يُنطق اسم “النصر” بلهجات متعددة، لكن بالشغف ذاته.













