
في مشهدٍ إنساني ملهم، اختلطت فيه البهجة بالوعي، والاحتواء بالمسؤولية، نظّمت مجموعة بيست فريندز الشبابية الخيرية التطوعية فعالية صحية وتوعوية شاملة لأطفال متلازمة داون، يوم الثامن عشر من أكتوبر، ضمن احتفالاتها السنوية بـ اليوم العالمي لأطفال متلازمة داون، الذي يُصادف شهر أكتوبر من كل عام.
تحت شعار: #داون_طاقة_لا_إعاقة، تحوّلت الفعالية إلى يوم استثنائي في حياة الأطفال وأسرهم، يوم حمل رسائل أمل ودمج، وعكس التزامًا مجتمعيًا متواصلًا من قِبل مجموعة شبابية اختارت أن يكون العمل الخيري أسلوب حياة، وأن يكون الدعم الحقيقي للأشخاص ذوي الإعاقة جزءًا من رسالتها المستمرة.
فعالية بروح التمكين… لا الشفقة:
منذ انطلاقتها، حرصت مجموعة “بيست فريندز” على أن تكون فعالياتها لأطفال متلازمة داون أكثر من مجرد احتفال رمزي، فهي لا تتعامل معهم من منطلق الحاجة أو النقص، بل من منطلق القدرة والطاقة الكامنة، التي تحتاج إلى دعم وإيمان ومجتمع حاضن.
هذا التوجه تجسد في الفعالية الصحية التي أقيمت أمس، حيث كانت الأنشطة مصممة بعناية لتخاطب الجوانب الصحية والتعليمية والترفيهية لأطفال المتلازمة، ولتزوّد أولياء الأمور بالأدوات والمعرفة اللازمة للتعامل مع تحدياتهم اليومية.
برنامج متكامل يجمع بين التوعية والدعم:
تنوّعت فقرات الفعالية لتغطي محاور متعددة، حيث تم تقديم فحوصات طبية مجانية تولّى طاقم من المتطوعين في المجال الصحي إجراء فحوصات متكاملة لأطفال متلازمة داون، شملت تقييم النمو والصحة العامة، وتقديم نصائح طبية فردية لكل أسرة بناءً على حالة طفلها، وورش عمل تثقيفية تحتوي على جلسات حوارية وتثقيفية لأولياء الأمور، ناقشت مواضيع الرعاية النفسية، وطرق التعليم والتواصل الفعال، إضافة إلى حقوق الطفل ذو الإعاقة وسبل الدمج في المدارس والمجتمع.
كما قدمت أنشطة ترفيهية وتفاعلية بإقامة مساحات لعب وعروض فنية وألعاب حركية، صُممت لتتناسب مع قدرات الأطفال وتعزز مهاراتهم الاجتماعية، وسط أجواء من الفرح والاحتواء، وفي مشهد مؤثر، شارك متطوعو المجموعة الأطفال لحظاتهم، لا كمساعدين، بل كأصدقاء، في تجسيد فعلي لاسم المجموعة: بيست فريندز – أصدقاء حقيقيون لأطفال متلازمة داون.
أهداف واضحة… ونتائج ملموسة:
لم تكن الفعالية مجرد استعراض لأنشطة، بل حملت أهدافًا عميقة، تمحورت حول تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق أطفال متلازمة داون، وتغيير النظرة النمطية تجاههم، دعم الأسر ومرافقتهم نفسيًا وتربويًا، ومساعدتهم على تجاوز التحديات، تحسين جودة حياة الأطفال عبر الرعاية الصحية والمتابعة النفسية والتربوية،و ترسيخ مفهوم الدمج المجتمعي كحق لا تفضّل.
وقد عبّر عدد من أولياء الأمور عن امتنانهم لهذه المبادرة، مؤكدين أن مثل هذه الفعاليات لا تمنحهم الدعم فقط، بل تعزز ثقتهم في قدرة أطفالهم على التطور والاندماج.
الختام في 25 أكتوبر… وامتداد عربي في القاهرة:
لا تتوقف أنشطة “بيست فريندز” عند فعالية واحدة. إذ أعلنت المجموعة عن استمرار فعالياتها حتى اليوم الختامي في الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري، والذي سيُقام في أمدرمان – مدينة النيل، بصالة نادي الأسرة، حيث سيشهد احتفالًا موسّعًا يضم فقرات تكريمية وعروضًا فنية وتوزيع هدايا للأطفال.
وفي لفتة إنسانية تعبّر عن البُعد العربي والانتشار المجتمعي للمجموعة، سيشارك فرع “بيست فريندز – القاهرة” في احتفالية متزامنة تقام في قرية حواش اللبيني بمنطقة فيصل، تتضمن تكريمًا للأطفال وتقديم الهدايا في أجواء احتفالية بسيطة لكن عميقة الدلالة.
هذه المبادرة العابرة للحدود، تعكس وحدة الهدف والتوجه الإنساني بين فروع المجموعة، وتؤكد أن قضية متلازمة داون لا تعرف الجغرافيا، بل تحتاج إلى تعاون عابر للثقافات.
“بيست فريندز”: طاقة تطوّع لا تعرف التوقف:
تُعرف مجموعة “بيست فريندز” بأنها من أبرز الفرق الشبابية التطوعية العاملة في المجال الخيري والإنساني في السودان، وتتميّز بنشاطها المتواصل في دعم الفئات الأكثر احتياجًا، وخصوصًا الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
ولا تقتصر مبادراتها على الجانب الصحي أو التوعوي، بل تشمل مجالات متعددة: من تنظيم قوافل طبية، إلى مبادرات رمضان، إلى فعاليات دعم نفسي وتعليمي، مما جعلها تحظى بثقة المجتمع ومتابعة الجهات الداعمة.
وتؤكد المجموعة في كل مرة أن رسالتها لا تنتهي عند الفعالية، بل تبدأ منها، وأنها ستواصل دعمها لأطفال متلازمة داون، من خلال برامج موسمية، وأنشطة على مدار العام، لإحداث تغيير حقيقي ومستدام في حياتهم.
الاحتفاء بالإنسان… لا بالاستثناء:
اليوم العالمي لمتلازمة داون، والذي يحتفل به العالم في أكتوبر، ليس يومًا للعطف، بل للوعي. ليس يومًا لتسليط الضوء على معاناة، بل على قدرات. وهذا ما نجحت “بيست فريندز” في ترسيخه من خلال شعارها: #داون_طاقة_لا_إعاقة، الذي لم يكن مجرد وسم، بل فلسفة عمل قائمة على احترام الإنسان وإبراز طاقاته، لا تسليط الضوء على إعاقته.
في وقت تتسارع فيه الخطى نحو مجتمعات شاملة، تأتي هذه المبادرات الشبابية لتؤكد أن التغيير لا يصنعه المسؤولون فقط، بل يبدأ من الشارع، من القلوب المؤمنة بأن لكل إنسان مكانًا، ودورًا، وفرصة.
حين تتحول المبادرة إلى رسالة حياة:
فعاليات “بيست فريندز” لأطفال متلازمة داون لم تكن مجرد احتفالية عابرة، بل كانت صرخة وعي، ودعوة مفتوحة للمجتمع بأن يحتضن أبناءه دون تمييز. وأن يرى في أطفال داون قوة مضافة لا عبئًا، وأن يعيد تعريف مفاهيم الدعم والدمج.
وفي عالم تتزاحم فيه القضايا، تظل قضية متلازمة داون اختبارًا أخلاقيًا لكل مجتمع: هل نملك القدرة على أن نحب دون شروط؟ أن ندعم دون مقابل؟ أن نحتفل بالاختلاف لا أن نخجل منه؟ مجموعة “بيست فريندز” أجابت عن هذا السؤال… بالأفعال.
