
تقرير: محمد فتحي
في كل سيرة نجاح سودانية، ثمة خيط غير مرئي يربط بين الموهبة والصبر، وبين القدرة على الازدهار متى ما وُجدت بيئة محفزة تحتضن العقل وتؤمن بالإنسان. ومن هذه الزاوية، تبرز قصة الدكتورة عفراء عوض بوصفها نموذجاً لافتاً لإبداع السودانيين حين تتاح لهم الفرصة، وللمسيرة الحافلة التي تخوضها المرأة السودانية في ميادين العلم والمعرفة والعمل المؤسسي.
بدأت الدكتورة عفراء مسيرتها الأكاديمية بحصولها على بكالوريوس الترجمة ودبلوم في إدارة السياحة من جامعة الزيتونة الأردنية عام 1998، ثم نالت ماجستير الترجمة الفورية من كلية طلال أبو غزالة في عمّان عام 2011. هذا التكوين المتعدد أتاح لها الجمع بين المعرفة الأكاديمية والمهارة التطبيقية، وبين الإدارة واللغة، في نموذج مهني متكامل.
لاحقاً، حصلت على درجة الدكتوراه في مجال الجودة من جامعة النيلين بالخرطوم عام 2019، بتخصص دقيق في ضبط معايير الجودة والحوكمة في التربية الخاصة لمراكز تقديم الخدمات التعليمية. وهو تخصص يتقاطع فيه العلم بالمسؤولية الاجتماعية، ويضع الجودة في قلب العمل الإنساني والتربوي، لا بوصفها إجراءً شكلياً، بل ثقافة مؤسسية متكاملة.
لكن هذه الدرجات العلمية لم تكن سوى امتداد لمسيرة مهنية طويلة، إذ أمضت أكثر من 25 عاماً في العمل المتخصص في مجالات الإعاقات الحركية والعقلية والتربية الخاصة، مساهمةً في ترجمة المقالات العلمية والبحثية، ونقل المعرفة من لغتها الأكاديمية الجافة إلى واقع عملي يخدم الفئات الأكثر احتياجاً. في هذا المسار، تجلت قدرة السودانيين على الجمع بين العمق المعرفي والحس الإنساني حين تُمنح العقول مساحة للعمل والإبداع.
ومن أبرز محطات هذه التجربة، مسؤوليتها عن ملف الاعتماد لمركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد، بالسعودية، وهو ملف يتطلب دقة عالية وفهماً عميقاً لمعايير الجودة، وقدرة على التنسيق المؤسسي طويل المدى. ولم يكن النجاح عابراً، إذ فاز المركز بالاعتماد لثلاثة أعوام متتالية، في إنجاز يعكس استدامة الأداء، ويؤكد أن الجودة حين تُدار بعقلية علمية تصبح مساراً ثابتاً لا حدثاً مؤقتاً.
إلى جانب ذلك، شقت الدكتورة عفراء طريقها في عالم اللغة، وعملت كمترجمة مستقلة مقدمة خدمات الترجمة الفورية والمتتابعة والتحريرية، والمشاركة في عشرات المؤتمرات وورش العمل. وقد اعتمدتها جهات سيادية عدة في المملكة العربية السعودية، من بينها وزارات التعليم والصحة والبلديات والإسكان والزراعة والمياه، إضافة إلى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وهو اعتماد يعكس مستوى الثقة والكفاءة.
وتخصصت في ترجمة النطاقات الطبية والدفاعية، ومجلات التنمية المستدامة، مع تنسيق وتعاون مع منظمات دولية وكيانات استشارية مثل الأمم المتحدة ومفوضية حقوق الإنسان. هنا، تحولت الترجمة من مجرد نقل لغوي إلى أداة دعم للحوكمة وصناعة القرار، وجسر يربط بين السياسات الدولية والسياقات المحلية.
كما أسهمت في تحكيم جائزة مسابقة الترجمة الدولية بجامعة الأمير سلطان بن عبد العزيز لثلاث دورات متتالية، في دور يعكس انتقالها من موقع الممارسة إلى موقع التقييم وبناء المعايير. وشاركت بصفتها مترجمة فورية في مؤتمرات كبرى، من بينها مبادرة مستقبل الاستثمار، ومؤتمرات الصناعة والنقل وسلاسل الإمداد، حيث تختبر اللغة في أكثر البيئات حساسية وتأثيراً.
قصة الدكتورة عفراء عوض ليست استثناءً، بل شاهد على ما يمكن أن يقدمه السودانيون حين يجدون بيئة محفزة على الإبداع والابتكار، وعلى الدور الريادي الذي تضطلع به المرأة السودانية في بناء المعرفة وقيادة العمل المؤسسي، وتجاوز التحديات بهدوء وكفاءة. إنها سيرة تقول إن النجاح لا يولد صدفة، بل يُصاغ بالصبر، ويترسخ بالجودة، ويزدهر حين يُمنح العقل حقه في الحلم والعمل.













