
في خطوة استراتيجية تؤكد سعي المملكة العربية السعودية بدعم جهود التنمية والاستقرار في القارة الإفريقية، أعلنت مجموعة البنك الإفريقي للتنمية والمملكة العربية السعودية اتفاقهما على تعزيز شراكتهما الاستراتيجية وتوسيع مجالات التعاون في عدد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والتنمية الاجتماعية.
جاء ذلك خلال لقاءات رفيعة المستوى عُقدت في العاصمة الأمريكية واشنطن، على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2025، حيث اجتمع الدكتور سيدي ولد التاه، رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية، بكل من المهندس سعد بن عبد العزيز الخلب، الرئيس التنفيذي لبنك التصدير والاستيراد السعودي، والسيد سلطان بن عبد الرحمن المرشد، الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية.
رؤية موحدة للتنمية:
اللقاءات، التي وُصفت بأنها مثمرة واستراتيجية، ركزت على بحث آليات التعاون المالي والاستثماري بين المملكة والبنك الإفريقي، في ضوء التحديات التنموية التي تواجهها القارة الإفريقية، والحاجة الملحة لتسريع وتيرة الاستثمار في القطاعات ذات الأثر المباشر على حياة المواطنين الأفارقة.
وأكد الجانبان على أهمية الانتقال إلى مستوى أكثر تقدماً من الشراكة، يستند إلى رؤية موحدة تهدف إلى دعم التنمية المستدامة، وتحقيق نتائج ملموسة على الأرض من خلال مشاريع استراتيجية طويلة الأمد.
وقال الدكتور سيدي ولد التاه إن “العلاقة مع المملكة العربية السعودية تمثل حجر زاوية في استراتيجية البنك لتعزيز الشراكات مع المانحين الرئيسيين، ونعمل معاً على تطوير برامج ومبادرات تمويلية تسهم في خلق فرص عمل، وتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق التحول الطاقي في القارة”.
التزام سعودي متجدد
من جانبه، أكد المهندس سعد بن عبد العزيز الخلب، الرئيس التنفيذي لبنك التصدير والاستيراد السعودي، أن المملكة ترى في إفريقيا شريكاً استراتيجياً في المستقبل، وأن هناك إرادة قوية لتوسيع نطاق التعاون مع المؤسسات المالية الإفريقية لدعم الصادرات السعودية وتنفيذ مشاريع تنموية ذات جدوى اقتصادية واجتماعية عالية.
وأضاف الخلب أن البنك يعمل على “تمويل مشاريع نوعية في إفريقيا، لا سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية، بما يسهم في دعم التنمية الإقليمية ويعزز التكامل الاقتصادي بين دول القارة”.
بدوره، شدد السيد سلطان بن عبد الرحمن المرشد، الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية، على أن “الشراكة مع مجموعة البنك الإفريقي للتنمية تمثل فرصة حقيقية لتوحيد الجهود نحو تحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا، من خلال استثمارات موجهة تعالج التحديات الهيكلية وتفتح آفاقاً جديدة للنمو”.
مجالات التعاون: من الطاقة إلى الإسكان:
المباحثات شملت تحديد مجالات ذات أولوية للتعاون في المرحلة المقبلة، أبرزها دعم مشروعات الطاقة النظيفة، وتطوير البنية التحتية للنقل والتجارة، وتعزيز برامج الإسكان الميسور، بما يواكب الأهداف الإنمائية للدول الإفريقية.
وأوضح المشاركون أن هذه المجالات تم اختيارها بناءً على دراسات مشتركة واحتياجات تنموية حقيقية في القارة، مع التركيز على الدول ذات الأولوية من حيث الاستقرار السياسي والفرص الاستثمارية الواعدة.
وأشار البيان المشترك الصادر عقب اللقاءات إلى أن الشراكة بين الطرفين ستُبنى على مبادئ الشفافية، والكفاءة، والتأثير الإيجابي طويل المدى، مع الالتزام بقياس أثر المشاريع الممولة ومتابعة نتائجها على الأرض.
إفريقيا.. قارة الفرص القادمة
ويأتي هذا الاتفاق في سياق اهتمام عالمي متزايد بالقارة الإفريقية، التي باتت تُعرف بـ “قارة الفرص”، لما تزخر به من موارد طبيعية وبشرية هائلة، إلى جانب سوقها الواعدة التي تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة.
وترى المملكة، التي تواصل توسعها الدولي عبر أدواتها التنموية والاستثمارية، أن تعزيز الشراكات في إفريقيا ينسجم مع مستهدفات “رؤية السعودية 2030″، خصوصاً فيما يتعلق بدورها كمحرك للاستثمار العالمي، وشريك موثوق في دعم الاستقرار والنمو في الدول النامية.
وأكد الجانبان خلال اللقاءات أن إفريقيا بحاجة إلى استثمارات استراتيجية تعزز قدراتها الذاتية على النمو، وليس فقط مساعدات مالية مؤقتة، وهو ما تسعى إليه السعودية عبر تبني نموذج شراكة قائم على التمويل المستدام، ونقل الخبرات، وتعزيز الإنتاجية.
نحو مرحلة جديدة من التعاون
الاتفاق بين المملكة ومجموعة البنك الإفريقي للتنمية يمثل، بحسب مراقبين، انتقالاً نوعياً من التعاون التقليدي إلى شراكة تنموية شاملة، تستهدف إحداث تحولات اقتصادية حقيقية في عدد من الدول الإفريقية.
ويتوقع أن تسفر هذه التفاهمات عن إطلاق مبادرات تمويلية جديدة، تشمل برامج دعم الصادرات، وتسهيلات تمويلية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب مشاريع بنية تحتية ضخمة، يتم تنفيذها بشراكات بين القطاعين العام والخاص.
وفي هذا السياق، تُشير مصادر مطلعة إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد إنشاء فرق عمل مشتركة بين البنك الإفريقي والجهات السعودية المعنية، لتحديد أولويات التمويل، وتقييم المشاريع المقترحة، وتطوير آليات تنفيذ فعالة تضمن سرعة الإنجاز وجودة التنفيذ.
السعودية كشريك تنموي عالمي:
يُشار إلى أن المملكة العربية السعودية باتت خلال السنوات الأخيرة لاعباً محورياً في مجال التنمية الدولية، من خلال مؤسسات مثل الصندوق السعودي للتنمية، وبنك التصدير والاستيراد، وصندوق الاستثمارات العامة، والعديد من المبادرات التنموية التي تستهدف الدول النامية.
وقد ساهمت المملكة، منذ تأسيس الصندوق السعودي للتنمية عام 1975، في تمويل مئات المشاريع الإنمائية في أكثر من 90 دولة حول العالم، بما في ذلك مشاريع تعليمية وصحية وزراعية ومائية، الأمر الذي عزز مكانتها كداعم رئيسي للتنمية المستدامة.
ختام واعد
واختُتمت اللقاءات بتأكيد الطرفين على أهمية البناء على ما تحقق من تفاهمات، والعمل على تحويلها إلى مشاريع ملموسة تُحدث فارقاً في حياة الشعوب الإفريقية، وتُسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في القارة.
وفي هذا الإطار، أكد الدكتور سيدي ولد التاه أن مجموعة البنك الإفريقي للتنمية ترى في الشراكة مع المملكة نموذجاً يُحتذى به في التعاون بين الجنوب والجنوب، بينما أعرب المسؤولون السعوديون عن تطلعهم إلى إطلاق مرحلة جديدة من العمل التنموي المشترك، تُترجم تطلعات المملكة إلى واقع ملموس في عمق القارة الإفريقية.













