
في تحول مفاجئ للسياسات التجارية التي شكلت جزءاً كبيراً من المشهد العالمي خلال السنوات الماضية، بدا أن التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية في طريقها نحو الانفراج. جاء هذا التحول على لسان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أكد مؤخراً عن لقاء مرتقب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، مشيراً إلى تحسن العلاقات بين البلدين، ما يشي إلى انقشاع غيمة الأزمة بين البلدين.
العودة إلى طاولة المفاوضات
لم يكن من المتوقع أن تكون هناك أي خطوات نحو تهدئة الأوضاع بين الولايات المتحدة والصين في هذا الوقت، خاصة في ظل استمرار العقوبات التجارية الأمريكية على الصين والحظر المفروض على شركات مثل “هواوي”. لكن تصريح ترامب الأخير الذي وصف علاقته بالرئيس الصيني “بالجيدة جداً” يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة حول مسار العلاقات في المستقبل القريب.
منذ بداية الحرب التجارية بين البلدين في عام 2018، تبادل كل من واشنطن وبكين فرض رسوم جمركية على منتجات الآخر، مما أثّر سلباً على الاقتصاد العالمي. هذه الحرب التي استمرت لأكثر من عامين، تسببت في تقلبات حادة في الأسواق المالية العالمية وأثرت على سلاسل التوريد.
رسالة إيجابية في وقت حرج
وفي وقت تشهد فيه الولايات المتحدة الأمريكية فترة من التوترات الداخلية بسبب قضايا اقتصادية واجتماعية، يرى البعض في لقاء محتمل بين ترامب وشي جين بينغ فرصة لإعادة بناء الجسور بين البلدين بعد سنوات من التوتر. الرئيس ترامب، الذي كان قد أطلق حربًا تجارية ضد الصين في مسعى لتحقيق مصالح أمريكا الاقتصادية، يظل اليوم أكثر انفتاحاً بعد تمترس التنين الصيني خلف ندية قوامها الابداع والابتكار.
التصريحات تمثل إشارات قوية من ترامب بأنه يسعى إلى العودة إلى المشهد العالمي كمحاور رئيسي، وهو ما قد يعيد صياغة توازنات القوى في الساحة الدولية. مع تزايد الضغوط الاقتصادية في كلا البلدين، قد تكون خطوة إعادة فتح قنوات الحوار هي الحل الأكثر فعالية.
من جانبها، الصين لا تبدو أقل اهتماماً في تخفيف حدة التوترات مع الولايات المتحدة. بالنظر إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين، فهي تحتاج إلى استقرار في علاقاتها الاقتصادية مع أمريكا لتدعيم نموها المستدام، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها، مثل تباطؤ النمو السكاني وارتفاع الديون.
الصين، التي سعت طويلاً لفرض نفسها كقوة اقتصادية مهيمنة، بدأت تروج لصورة إيجابية على الساحة العالمية، وهو ما ينعكس في مساعيها لتوسيع مبادرة الحزام والطريق، فضلاً عن تحركاتها لتعزيز علاقاتها التجارية مع دول أخرى.
في الوقت نفسه، أثبتت الصين أنها قادرة على تجاوز العقوبات الأمريكية عبر تحفيز الابتكار المحلي، بما في ذلك دعم قطاع التكنولوجيا والبحث العلمي، وهو ما يجعلها أقل اعتماداً على السوق الأمريكي.
ماذا تعني عودة التعاون الأمريكي-الصيني؟
عودة التعاون بين واشنطن وبكين لا تعني بالضرورة التوصل إلى اتفاق شامل في جميع المجالات. فحتى مع تحقيق انفراجة في العلاقات التجارية، يظل هناك العديد من الملفات العالقة بين البلدين، مثل قضايا حقوق الإنسان، التوترات في بحر الصين الجنوبي، وصراع النفوذ في مناطق أخرى من العالم.
ومع ذلك، فإن التوصل إلى هدنة تجارية يمكن أن يساهم في تخفيف الضغوط على الاقتصاد العالمي، والذي يواجه بالفعل تحديات بسبب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة. ولعل هذا ما يفسر التوقعات المتزايدة بأن يتم قريباً الإعلان عن اتفاقيات تهدئة تساهم في استقرار أسواق المال العالمية.
آفاق المستقبل: هل يظل ترامب مؤثراً على المشهد؟
إذا تحقق اللقاء بين ترامب وشي، فإن له أبعاداً تتجاوز المصالح الاقتصادية البحتة. يمكن أن يشير هذا اللقاء إلى رغبة من الطرفين في التوصل إلى “تفاهم استراتيجي” يسمح بإعادة صياغة العلاقات الثنائية بين القوتين العظميين في العالم. وفي حال تمكن ترامب من استعادة دوره كلاعب رئيسي في السياسة العالمية، فإن ذلك سيفتح الباب أمام تعزيز الحراك الاقتصادي بين الجانبين.
وفي الوقت الذي يتطلع فيه العالم إلى الانفراج المحتمل في التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، فإن فشل أي محاولة للتوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى تصعيد جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. لكن الأمل في التوصل إلى حلول تفاوضية يبقى حاضراً، خاصة وأن العالم بأسره يعول على استقرار العلاقات بين واشنطن وبكين لضمان استقرار الأسواق والنظام الاقتصادي العالمي.
وبينما يخيم الضبابية على هذا الملف، تشير التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب إلى أن هناك نية قوية من الجانبين لتفادي التصعيد والبحث عن مسارات تعاون جديدة. هذه المسارات قد تكون كفيلة بتخفيف الضغوط الاقتصادية على العديد من الدول، وبالتالي تشكيل نقطة تحول مهمة في السياسة الدولية.













