“ظل الفكرة”… رحلة شاذلي عبد الله من التجربة إلى الأثر

في مشهدٍ ثقافي يعبّر عن الحراك الدائم للمثقف السوداني في المهجر لنثر المعرفة، شهدت العاصمة السعودية الرياض صدور كتابٍ جديد يحمل عنوان «ظل الفكرة: الرحلة التي لم تنتهِ بعد»، للكاتب شاذلي عبد الله عمر، مستشار الحوكمة والتطوير والباحث الاقتصادي المعروف بين أوساط التنمية الرياضية والاقتصاد المعرفي.

الكتاب الذي صدر عن دار عامر للنشر والتوزيع، يمثّل تجربة إنسانية وتنموية تتجاوز حدود السيرة الذاتية التقليدية، ليقدّم شهادة حيّة على التحوّل من الألم إلى الأمل، ومن الفكرة إلى الأثر.

من الحرب إلى وعي التنمية

في زمنٍ تتداخل فيه تحديات الحرب والنزوح مع شغف التعلّم وصناعة المستقبل، يأتي «ظل الفكرة» كصرخة وعيٍ هادئة تعبّر عن جيلٍ خرج من رحم المعاناة ليكتب تاريخه بيده. لا يكتفي الكاتب بسرد الذكريات، بل يقدّم ما يمكن وصفه بـ«الرحلة الفكرية والوجدانية نحو المعنى»؛ إذ يحوّل تجربة الفرد إلى معرفة، والمعرفة إلى أداةٍ للتغيير.

الكاتب شاذلي عبد الله عمر ينطلق في عمله من رؤيةٍ واضحة: أن التنمية ليست خطاباً حكومياً ولا شعاراً أممياً، بل هي وعيٌ شعبيّ يُبنى على قيم الكرامة، والتعليم، والمثابرة، والعمل المؤسسي. ومن هنا، يربط بين تجربته الشخصية ومفاهيم الحوكمة كمنهجٍ حياة، لا كمصطلح إداري جاف.

توقيع في معرض الرياض الدولي للكتاب

الكتاب حظي بتوقيعٍ أولي ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 في جناح دار ويلوز للنشر، بحضور نخبة من الإعلاميين والقرّاء من جنسيات متعددة، وقد وصف عدد من الحضور الكتاب بأنه «سيرة ذاتية مُلهمة» تتجاوز الحكاية الفردية، لتقدّم نموذجاً للإنسان السوداني في مواجهة التحديات بإصرارٍ ووعيٍ تنمويّ متجدد، فهو  ليس مجرّد عنوان، بل هو مشروع وعيٍ يتنفس بين السطور، يترجم الألم إلى أفق، ويقدّم نموذجاً للمثقف الذي يرى في المعرفة أداةً للتحرر لا للتفاخر، حسب الأستاذ جمال إدريس الصحفي المهتم بالحراك الثقافي.

شهادات تقدير وإشادة من رموز فكرية وتنموية

وقد حظي الكتاب بإشادات لافتة من شخصيات بارزة في مجالات الاقتصاد، والحوكمة، والتنمية، والإعلام منهم الدكتور هاشم بن عوف، وزير البنى التحتية والنقل الأسبق في السودان، الذي اعتبر الكتاب «وثيقة إنسانية وتنموية تُضيء الطريق أمام الشباب السوداني والعربي في زمن الاضطراب”، كما أشاد البروفسور مريع سعد الهباش، رئيس الجمعية السعودية للحوكمة، بقدرة الكاتب على تحويل مفاهيم الحوكمة إلى تجربة إنسانية معاشة، قائلاً إن «الكتاب يقدّم تطبيقاً واقعياً للحوكمة كقيمة اجتماعية، لا كمجرد ممارسة مؤسسية”.

أما الدكتور محمد الأمين إبراهيم، الباحث الاقتصادي المعروف، فعبّر عن إعجابه بالطرح، مؤكداً أن «ظل الفكرة» يُبرز كيف يمكن للمعاناة أن تتحوّل إلى دافعٍ للنجاح، وكيف يصنع التعليم والوعي مساراً مختلفاً وسط الفوضى، وبدوره، وصف الصحفي الرياضي عبد الله الشمراني الكاتب شاذلي عبد الله بأنه «نموذجٌ يُحتذى في الجمع بين الفكر والممارسة، وبين الحلم والعمل، وبين الاقتصاد والرياضة كجسرٍ للتواصل الشعبي”.

رؤى علمية وإعلامية

شارك في تقديم الرؤى التحليلية حول الكتاب نخبة من الخبراء، منهم الأستاذ حسين جاري، خبير التنمية المستدامة في بعثات الأمم المتحدة ومؤسس مجموعاتٍ تنموية بعددٍ من الدول الإفريقية، الذي رأى أن الكتاب يُعدّ مساهمة نوعية في التفكير التنموي من خارج المؤسسات الرسمية، ويُبرز أهمية بناء الإنسان قبل البنية.

كما قدّم البروفسور عوض إبراهيم عوض، أستاذ الإعلام بجامعة الملك خالد – أبها، قراءةً إعلاميةً عميقة، مؤكدًا أن الكتاب يمثل نصاً مفتوحاً بين السيرة والتأمل، يقدّم نموذجاً للكاتب السوداني الجديد الذي يرى في الإعلام منصةً للتنمية، أما البروفسور بابكر كرامة أبو المكارم، مدير جامعة كردفان السابق، فأشاد بالجانب العلمي في الكتاب، معتبراً إياه تجربة تجمع بين الحس الإنساني والرؤية الأكاديمية، وتُعيد تعريف علاقة المثقف بالمجتمع.

الكتاب ومفاهيم التنمية المستدامة:

يتقاطع «ظل الفكرة» في مضمونه مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، خاصة في محاور القضاء على الفقر، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والعمل اللائق والنمو الاقتصادي، والسلام والعدل والمؤسسات القوية، حيث يقدّم الكاتب هذه القضايا من زاويةٍ إنسانيةٍ ومجتمعية، بعيداً عن الخطاب الرسمي، مسلطاً الضوء على أن التنمية ليست أرقاماً وموازنات فقط، بل منظومة قيم تبدأ من الوعي وتنتهي بالممارسة.

ويرى الكاتب أن «الوعي المؤسِّس» هو البنية الأولى لبناء الدول، وأن ثقافة الحوكمة والامتثال تبدأ من الفرد، لا من اللوائح. بهذا الفهم، يصبح «ظل الفكرة» تمريناً عملياً في تحويل المعرفة إلى أثرٍ ملموس، والتعليم إلى مشروعٍ وطنيٍّ مستمر.

لغة تجمع بين العاطفة والعقل:

أسلوب الكتاب يجمع بين السرد الأدبي والتحليل التنموي، ما يمنحه جاذبيةً خاصة للقراء من مختلف الفئات. فالنصوص تُكتب بروحٍ شعرية، لكنها تتكئ على تجربة ميدانية في الاقتصاد والحوكمة والرياضة، حيث يُقدّم الكاتب الرياضة بوصفها «لغة شعبية للتنمية»، ومجالاً لتطبيق مبادئ العدالة والشفافية والانضباط المؤسسي.

ويقول في مقدمة الكتاب: «لم أكتب لأحكي عن نفسي، بل لأروي ما فعلته الفكرة حين وجدت من يصدق بها. الفكرة ظلّك إن أنت تركتها تموت، وظلك إن أنت مشيت بها حتى آخر الحلم”.

بين التجربة والرسالة:

لا يُخفي الكاتب أن رحلته كانت محفوفة بالصعاب، لكنه يرى أن كل معاناةٍ كانت درساً، وكل تعثّرٍ كان خطوة نحو الوعي، ولذلك، يتخذ الكتاب طابع «الرحلة المفتوحة» التي «لم تنتهِ بعد»، كما يشير عنوانه، إنه مشروع فكرٍ وإنسانٍ يرى في الفشل مقدمةً للنجاح، وفي التعليم وسيلةً للتحرر، وفي الكرامة نهايةً للتبعية.

بهذا المعنى، يتحول «ظل الفكرة» إلى أكثر من كتاب؛ إلى منصة وعيٍ سودانيةٍ جديدة تنبع من الرياض، لتقول إن الحلم لا يعرف حدود المكان، وإن التنمية تبدأ من الذات.

ختام: من الظل إلى الضوء:

في نهاية الرحلة، يترك الكاتب للقارئ انطباعاً بأن «ظل الفكرة» ليس خاتمة تجربة، بل بداية مشروعٍ طويل يسعى إلى خلق وعيٍ جماعيٍّ جديد، يتجاوز الجغرافيا والسياسة إلى جوهر الإنسان، فيضع الكتاب، بكل ما يحمله من صدقٍ وتجربةٍ ومعرفة، أمام الجيل السوداني والعربي نموذجاً يُحتذى في تحويل السيرة إلى أثر، والذاكرة إلى وعيٍ، والفكرة إلى مشروع حياةٍ لا يزول.